مراجعة لكتاب “عم نتحدث حين نتحدث عن الصداقة”

كتب: عمر هشام

 

“تسأل بسنت كلّا منا عن أكثر صفة يحبها في الناس.

بسرعة يرد سعيد: الوفاء؛ الوفاء يتيح لك أن تسير في العالم بشعور أنك محمي، وغير قابل للانكسار. يقول فادي إنه لا يعرف الكلمة الدقيقة، لكنه يحب الأشخاص الذين يمكنك دومًا أن تعرف مزاجهم دون أن تُضطَر إلى نزع أقنعتهم واحدًا تلو الآخر، هذا الوضوح، أو الشفافية، أو القدرة على الانكشاف، هو ما يتيح لك أن تأمن لشخص ما. تقول بسنت إنها عن نفسها تحب هؤلاء المستعدين للتضحية؛ ليس لأنهم يسبغون حمايتهم علينا، ولكن لأنه لا معنى أن يختارك شخص ما ومعياره الوحيد هو المكسب، الاستعداد للخسارة، هو ما يجعل أي علاقة إنسانية أكثر من مجرد حسابات. يقول مجدي إنه الحنان؛ لأننا جرحى نحتاج إلى الرعاية. أقول إن رهاني كله على الكرم. تقول مروة إنه الانطلاق، تحب الأشخاص المنطلقين؛ لأن من دونهم نظل سجناء مواطن أقدامنا. تقول هبة إنها المسؤولية؛ لا يمكن أبدًا مصادقة أحد لا يمكن الوثوق بإحساسه بالمسؤولية. تقول يسرا إنها تشعر أننا اخترنا كل الاختيارات بالفعل، وهي لذلك ستعود إلى البديهيات، ما تحبه في أي شخص أن يكون موجودًا. يصفق سعيد، يضحك.”

 

إيه هي الصداقة؟ وإزاي الصداقات بتتكون؟ وبداية الصداقة بيكون شكلها إزاي؟ الاهتمامات المشتركة؟ ولا مشاركة المواقف الكبيرة في الحياة؟ هل بيكون انبهار بالشخص؟ ولا إحساس بالأمان والونس؟ إيه هي صفات الصديق؟ وإيه أنواع الصداقة؟ امتى بنقول إن فلان صديق وفلان مش صديق؟ لو عارفين كل حاجة عن بعض؟ ولا إحساس الشخص بالحب والونس عشان يستحمل صعوبة الحياة؟ هل بيكون إحساس بالراحة إن إحنا نقعد مع بعض ساكتين مانتكلمش أو إحساس بالراحة إن إحنا نفضل نرغي طول الوقت؟ هل لما بنتكلم عن الصداقة بنقصد الوفاء؟ الونس؟ العشرة؟ الجدعنة؟ ولا كل ده مع بعض؟ 

“عم نتحدث حين نتحدث عن الصداقة” رواية للكاتب بلال علاء، من إصدار “وزيز”، واللي بيهرب فيها الراوي من أزماته ومشاكله لبيوت صحابه ولذاكرته وذكرياته، بلال علاء بيتكلم من خلال رحلة الراوي عن وجود الصحاب وغيابهم، وإزاي بتبدأ الصداقات وإزاي بتنتهي، وإزاي بنبدأ علاقة مع شخص رغم متاهات الواقع واللغة والذاكرة.

 

“هل هناك نسخة من الحياة لا تشعر فيها أن شيئًا ما مفقود؟

هناك دائمًا شعور بالفقد؛ لأنه ببساطة شعور صحيح، كل اختيار في الحياة يستبعد خيارات أخرى، الأمر بهذه البساطة، لا يمكن مراوغة الفقد، الحياة فقد متتالٍ، وامتلاك مؤقت”

 

يمكن تكون الإشكالية الأولى اللي أحبطت بعض القارئين، هو في تصنيف “عم نتحدث حين نتحدث عن الصداقة” كـ رواية، وده اللي بيخلق توقعات معينة عند القاريء بسردية معينة، وطريقة معينة في الكتابة والأحداث، لكن بنلاقي إن الكتاب هنا عبارة عن مقالات منفصلة ومتصلة في نفس الوقت عن الصداقة، وطريقة الكتابة بيغلب عليها الطابع التحليلي الفلسفي، مع حوارات عشوائية بين الراوي وصحابه عن الحياة والحب والصداقة واللغة ومتاهات الحياة، بطريقة واضحة احيانًا، وغامضة أحيانًا، وفلسفية أحيانًا.

 

“تبدو مجموعات الأصدقاء أحيانا أشبه بالبورصة؛ تشتري أسهما معينة بالقدر الكافي لتنضم إليها، وأحيانا تشتري كمية كافية لتكون في مجلس الإدارة، وقد تستثمر كل ما عندك لتكون صاحب القول في حسم الصفقات والاستحواذات المتتالية، وفي موعد ما قد يُنقلَب عليك من قِبل حاملي الأسهم، ويُعيَّن رئيس مجلس إدارة آخر. يجري هذا كله في صمت ودون أي مؤامرات، وفي أغلب الأحيان دون أن ينتبه أي أحد.”

 

راوي الحكاية -اللي مابنعرفش اسمه طول الكتاب- بيحكي مواقف وأحداث بتربطه مع صحابه، صحاب موجودين دلوقتي في حياته، وصحاب تانيين مابقوش صحابه، وصحاب لسه مش معروف مصيرهم، وصحاب قريبيين، وصحاب بعاد، وقصص متشابكة كتير مليانة علاقات مختلفة سواء حب أو ارتباط أو جواز أو قرابة، وبنلاقي في آخر الكتاب مخطط معقد جدا اسمه “دليل غابة العلاقات، هتتوه أول ما تشوفه، مخطط/دليل فيه كل أسامي الشخصيات القريبة والبعيدة وإزاي كلهم بيتداخلوا مع بعض، وإزاي دواير العلاقات بتتداخل مع بعض والرابط ما بين كل شخص والتاني زي الصداقة، التوتر، علاقات حب أو جواز، علاقات سابقة، قرابة، واللخبطة والتوتر اللي موجود في “دليل غابة العلاقات” ممكن يكون دليل على اللي بيحصل في عقل الراوي من لخبطة وحيرة وتشتت.

 

“لكن ماذا يحدث حين تنهار؟ وما مضاد الصداقة؟ الود المشاعي المسطح أم العداوة العميقة؟ ومتى بالضبط يمكن الحكم على الصداقة بالانتهاء؟ في لحظة شعور بضيق المبنى على ما نتمناه، أم بالتنبه فجأة بنسيان طريق المبنى من الأصل؟”

 

رغم عدد الناس الكبير في حياة الراوي، لكن واضح جدا إنه وحيد، بيسمع الناس كويس، بس مش بيحكي غير اللي عايز يحكيه، ده غير إن فيه حكاية مش عارف يحكيها طول الكتاب، وفضل طول الأحداث بيأجلها لحد ما الكتاب خلص، وماكنش عارف يحكيها حتى لدكتورة النفسية.

طريقة كتابة بلال علاء مختلفة جدا، ومن فكرة عامة جدا زي “الصداقة”، بيتكلم عن حاجات تانية كتير، مواضيع وأفكار مرتبطة بالصداقة، الوحدة والعلاقات والحب والفقد، وعن مفهوم الحياة في المطلق، الحكايات بتكون لطيفة أحيانا، وحزينة أحيانا، زي الحياة بالظبط.

 

“الصداقة كالحب، تحدث أو لا تحدث. أقصى ما يمكن الوصول إليه بالعزيمة هو الرفقة الآمنة. تحيط نفسك بمجموعات تقدر على الحديث معها في أمور كثيرة، يصفيها مرور الزمن، لكنك تدرك أن تلك المعرفة الوثيقة والغرق في تفاصيل يومياتكم والمساندة الصادقة هي شيء آخر غير الصداقة، تعرف ذلك لأنك تتذكر أنه في يوم ما، بمصادفة ما، عثرت على صديقك، على صديقتك، هكذا دون تخطيط.”

 

في بداية الرواية، هتحس إنك تايه ما بين الشخصيات وأساميهم وتداخلهم مع بعض والأحداث اللي بتربطهم مع بعض، والراوي عارف إن اللخبطة دي هتحصل، بس زيها زي عشوائية الحياة، ومع الوقت وتكملة القراءة، بتحس إنك بتتابع الراوي وشلة صحابه وبتبدأ الأمور تبقى واضحة أكتر وسلسلة أكتر، بس في نفس الوقت بشكل معقد جدا ومربك.

طريقة الكتابة بتخليك طول الوقت عايز تعرف أكتر عن الشخصيات، وعن الأحداث، وطول الوقت أنت في فضول، القصص أحيانا نهايتها بتكون مفتوحة، وفيه قصص مابنعرفش نهايتها، وقصص بتبدأ في فصل وتكمل في فصل تاني، وشخصيات مابتكملش معانا للآخر، وشخصيات مكملة معانا طول الرواية، وشخصيات بتظهر وتختفي.

 

“راحة الصداقة ألا تحس أنك مضطر لإثبات أصالتها مرة تلو الأخرى. وحين تكون مضطرا لإثبات وفائك مرة تلو الأخرى، تنتهي الصداقة وحدها؛ لأنه لم تعد تلك المساحة الأليفة للراحة، بل أصبحت اختبارا عليك أن تعبره كل يوم، تصبح أحد الأشياء التي تهرب منها لا إليها… الصداقة، لا تفترض بالضرورة الموافقة دائما، تحتمل العتاب والمناقشة، لكنها تفترض استبعاد خيار الانسحاب، أو إعادة التفكير الجذري. حين تكون الصداقة مفتوحة على إمكانية الانتهاء، تنتهي.”

 

“عم نتحدث حين نتحدث عن الصداقة” مش رواية، ولا خواطر، ولا سيرة ذاتية، هي تعتبر كل ده مع بعض. الراوي اللي بيحكيلنا طول الكتاب مواقف من حياته وحياة صحابه، وبنفهم من السياق إنه بيعاني من مشاكل نفسية وفي بعض فصول الكتاب بنشوف نقاشاته مع دكتورته النفسية، بيحاول يتجاوز اضطراباته بطرق كتير، قد يكون أهمها هو مقابلاته مع صحابه وحواراته معاهم، صحاب مختلفين، وشلل مختلفة، هتتوه وأنت بتقرأ في الأسامي والروابط، بس اللي بيجمع كل ده هو إن كل الأفكار والخواطر والموضوعات والقصص والحكايات محورها الصداقة، بكل ما يمكن أن تحمله الكلمة دي من معنى.

 

” – يعني أنت قاعد تحكي لي من ساعتها عن الصداقة؟ دي حكاية عن الصداقة؟
جايز، وجايز تكون حكاية عن الخوف، جايز تكون عن الأمل، جايز تكون عن الامتنان أو القلق، احتمال تكون عن السكوت الإجباري، واحتمال تكون عن الوحدة.”

Related Articles

Back to top button