إنك تكون راجل في غزة.. عن المعاناة اللي محدش بيتكلم عنها
كتب – عمر هشام
من بداية الإبادة الجماعية في غزة بيتم استثناء الكلام عن معاناة الرجالة أو ظروفهم، وده بيحصل بشكل واعي أو غير واعي، وحتى في الإحصائيات والبيانات مابنشوفش أرقام أو نسب عن الشهداء أو الجرحى الرجالة.
(السردية الإسرائيلية-الغربية عن الرجل الفلسطيني)
تصريحات مسؤولين الاحتلال مابتخلصش واللي بتشوف كل فلسطيني مشروع “إرهابي” حتى لو طفل.. التصريحات دي بتحاول تغذّي السردية والتوجهات الإعلامية اللي بتجرد الفلسطينيين وخصوصا الرجالة من صفتهم المدنية والإنسانية.. السردية الإسرائيلية اللي بتقول إن كل سكان غزة متورطين بشكل أو بآخر.. كل رجالة غزة يستحقوا القتل بشكل أو بآخر.
وأكيد النظرة الإسرائيلية مش فارقة كتير عن الصورة الغربية للراجل الشرقي، وبالتالي الراجل الفلسطيني، اللي بتحاول توّصل إن الراجل الشرقي متخلف ومتطرف، وبتنزع عنه إنسانيته.. وهو ده اللي بتروّجله الرواية الإسرائيلية، بتقتل وتعتقل الراجل الفلسطيني وبتتدعي محاربتها للإرهاب.
(روح الروح)
اتصدم العالم الغربي لما شاف فيديو الغزاوي “خالد نبهان” جد ريم “روح الروح”، وهو راجل شرقي فلسطيني غزاوي لابس عمامة وجلابية وعنده دقن.. ومتمثل فيه كل الصور النمطية اللي بيحاول الغرب يرسخها عن الراجل الشرقي المتطرف والإرهابي.. “روح الروح” اللي جسدت إنسانية الجد وطيبته وحنيته وصموده في لحظة مفيش أصعب منها.
(بينتقموا منا في الولاد)
ومن “روح الروح” لـ “معلش”.. أنظار العالم راحت للصحفي الفلسطيني “وائل الدحدوح”.. اللي استشهد عدد من أفراد عيلته.. وفي لحظة ممكن أي راجل ينهار فيها، وائل الدحدوح عبر عن ألمه وحزنه ووجعه في جملة واحدة قال فيها: “بينتقموا منا في الولاد.. معلش”.. وصلى عليهم الجنازة بنفسه ورجع يكمل شغله الصحفي قدام الكاميرا.. وبعد أسابيع يستشهد ابنه البكري الوحيد.. في لحظة تكسر أي أب.. ويقف الدحدوح ويصلي الجنازة على ابنه ويرجع أخر اليوم يكمل شغله تاني.
(يوسف.. شعره كيرلي.. وأبيضاني وحلو)
ومن وائل الدحدوح.. للطبيب “محمد أبو موسى” اللي فضل يدور على ابنه “يوسف”.. لحد ما اتفاجيء باستشهاده في نفس المستشفى اللي هو شغال فيها.. وفي قمة حزنه وكسرته قال: “سيبوني.. الحمدلله”.. ووقت ما كانت زوجته وابنه التاني منهارين.. كان هو بيحاول يتماسك ويهديهم ويهوّن عليهم.
صمود وصبر “وائل الدحدوح” والدكتور “محمد أبو موسى” و”خالد نبهان” زي كتير من رجالة غزة، مسعفين ودفاع مدني ودكاترة وممرضين وآباء وأعمام وأخوال، كلهم بيحاولوا يصمدوا ويقاوموا ويساعدوا نفسهم واللي حواليهم ويكملوا شغلهم قصاد القصف والقتل والإبادة الموجودة في كل مكان.. والواقع المأساوي اللي مفيش دماغ بشرية تقدر تتخيله.
(إهانة الأسرى الفلسطينيين)
صور وفيديوهات كتير بيتم نشرها بتتسرب من موبايلات جنود الاحتلال وهم بيعتقلوا رجالة غزة وبيغموا عينيهم ويربطوهم ويعروهم في ناقلات الجند والملاعب والشوارع، وأغلب المعتقلين الفلسطينيين بيتم إخفائهم قسريا ومحدش عارف يوصل لمعلومات دقيقة عنهم وعن حياتهم وظروفهم.. الظروف اللي ممكن توصل إن يتم بتر إيديهم أو رجليهم بسبب طول مدة لبسهم للكلابشات.
خلال الحبس والأسر، بيتعرض المعتقلين والأسرى لكل أنواع التعذيب والانتهاكات النفسية والجسدية في معتقلات الاحتلال.
(معاناة الرجل الغزاوي مختلفة)
خلال الحرب، بتزيد معاناة الرجالة في غزة.. وفي وسط القصف والنزوح والمجاعة والأمراض .. الراجل هو المسؤول عن توفير الأكل والشرب والحماية والأمان لولاده وأسرته.. ومع كل ده، بيساعد طواقم الدفاع المدني والإسعاف في البحث عن المفقودين وانتشال الجثث والمصابين من تحت الركام.
كل القهر والألم والحزن ده يخلينا نفكر في آليات الصمود عند رجالة غزة.. واللي بتوضحلنا الفيديوهات اللي بتطلع من غزة جزء صغير أوي منه.. عن أوضاع نفسية كارثية بيعيشها كل الرجالة هناك.. وبنشوفهم بيعيطوا بحرقة وبيصرخوا على فقدان زوجاتهم وأولادهم.. وبيدوّروا تحت الركام على أهلهم وأشلاء أحبابهم.. ومع استمرار جرايم الاحتلال بيلاقوا نفسهم عاجزين عن حماية أقرب الناس ليهم.
(أسطورة الرجل الفلسطيني)
الأسطورة أو الصورة النمطية اللي بيحاول البعض يصدرها عن الفلسطينيين في السياق الاستعماري وخصوصا الرجالة في غزة، إنهم بيستحملوا كل أشكال القهر والعذاب والوجع ويقدروا يتعاملوا مع الفقد والموت والإصابة والاستشهاد، وخطورة الأسطورة دي إنها بتشيل منهم حقهم الإنساني في التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم وعواطفهم وفطرتهم الإنسانية، وبتاخد منهم الحق في التعبير عن مشاعر الضعف والحزن والانكسار والتعب والألم.. وبالتالي الأسطورة دي بتخلق فئتين: فئة الناس اللي بتضحي وبتستشهد وبتدفع التمن طول الوقت.. وفئة تانية بتتفرج عليهم من برا غزة وبرا فلسطين وبتنظّر عليهم وبتقيّم الوضع من بعيد.
الخطاب اللي بيحاول بعض الناس يريحوا ضميرهم بيه، إن الراجل الغزاوي أسطورة ويقدر يستحمل أي حاجة، خطاب أناني، لأنهم في نهاية المطاف بشر.. زيهم زي أي حد.. محتاجين أكل وشرب وبيت ونوم ولبس وحمام.. محتاجين يعيشوا من غير صوت الزنانة اللي فوق راسهم وفي ودانهم 24 ساعة.. محتاجين يعيشوا من غير قصف وصوت صراخ وبكاء.. محتاجين يعيشوا من غير ريحة الدم والجثث والأشلاء اللي حواليهم في كل مكان.. محتاجين يعيشوا من غير ما يفكروا هل النهاردة آخر يوم ليهم ولعائلاتهم ولا لأ.
(الإبادة.. جماعية.. قولا وفعلا)
أما عن رجالة غزة، فإظهارهم للضعف والحزن والوجع والعياط عمره ما كان عكس الصمود، دي حاجة فطرية طبيعية، بل بالعكس تعتبر شكل من أشكال الصمود.. وفي وقت الحروب وإبادة جماعية زي اللي بتحصل دلوقتي.. الكلام كله بيبقى عن “صمود الرجالة”، وكأن الشعور بالقهر والحزن والصدمات النفسية والتعبير عنها مش من حق الرجالة.
الرجالة الفلسطينيين بيعانوا من حاجتين: معاناة بيعيشها مع نفسه كشخص مقهور وبيتعذب عذاب جماعي.. ومعاناة بيعيشها من عجزه وقلة حيلته في حماية أهله من قهرهم وعذابهم الجماعي.
الإبادة مش بتفرق بين حد.. ومش مقتصرة على فئة اجتماعية ولا سن معين ولا دين معين.. الكل في غزة بيتعرض للإبادة.. رجالة وستات وأطفال وشيوخ.. الكل في فلسطين مقهور بسبب الاحتلال الإسرائيلي من أكتر من 75 سنة!