ذكرى ميلاد الولد الشقي “محمود السعدني” رائد الأدب الساخر في الوطن العربي
كتب: عمر عزت
الكاتب محمود السعدني اتولد في 20 نوفمبر 1927.. على الأغلب كل الناس بتمر بمعاناة وفيه اللي بيواجهها بكل أشكال الجد سواء هيحكيها لحد أو هيفكر فيها ويحلها لكن مش هيكون أول اختيار ليك إنك تحول المعاناة دي لـ “نكتة” وده اللي كان بيتميز بيه عما محمود السعدني.. فتعالوا كده ناخد جولة خفيفة في مسيرة الكاتب الكبير
محمود السعدني مش بس كاتب هو كمان أديب وصحفي كبير ومن رواد الكتابة الساخرة في الصحافة والأدب العربي.. وممكن نبدأ جولتنا عنه بـ :
مسيرته
شارك السعدني في تحرير وتأسيس كتير من الصحف والمجلات العربية في مصر وبراها فبدأ في بعض الجرائد والمجلات الصغيرة ومنها بدأ في مجلة “الكشكول” وبعدها بدأ يشتغل بالقطعة في مجلات زي “المصري” وبعد ثورة 1952 اشتغل في جريدة “الجمهورية” وبعدها في مجلة روز اليوسف.. وبعدها بتبدأ معاناته مع الاعتقال لمدة سنتين وبيخرج ويواجه صعوبات سواء في مصر أو براها وفضل في جولة من المعاناة في دول بره مصر لحد ما رجع بعد وفاة السادات عشان يستكمل مسيرته في مصر
أعماله
في الخمسينات أصدر كتاب عنوانه “ألحان السماء” عن عدد من قراء القرآن ومنهم الشيخ محمد رفعت ومصطفى إسماعيل.. وأصدر كمان مجموعة قصصية واحدة “خوخة السعدان” وكانت في خمسينات القرن الماضي.. لكن لو حبينا نروح لأشهر الأعمال واللي عملت ضجة كبيرة وفرق كبير في الكتابة سواء المصرية أو العربية هي “مذاكرات الولد الشقي” اللي اتعملت مسلسل إذاعي في الستينات وشارك فيه نجوم كبار سواء في الكتابة أو كبطولة.. واتعملت كمان في سلسلة من الكتب من أواخر الستينات كملت لحد نص التسعينات” وعندنا كمان “ملاعيب الولد الشقي” و”السعلوكي في بلاد الإفريكي” و”الموكوس في بلد الفلوس” و”وداعًا للطواجن” و”قهوة كتكوت” و”المضحكون”
جولة سريعة في بعض الأعمال
من أكتر ما يميز عمنا محمود السعدني هو إنه عاش حياة متنوعة سواء في طبقات مختلفة بتتدرج من أقل الفئات في المجتمع لكبار القوم والقصور أو حتى في الأماكن بمختلف أشكالها سواء جوه مصر أو بره وده ساعده إنه يتناول كتير من المواضيع بأشكال مختلفة وتقدر تلمس كل الناس
مذاكرت الولد الشقي
على غرار الكتاب لما يقولوا إنهم كتبوا مذكراتهم فبيستعرضوا فيها حياتهم بيقول السعدني “الناس بتسميها قصة حياتي بس أنا بسميها أخطاء حياتي” عشان هي كانت سلسلة من الأخطاء المتصلة استفدت من بعضها وبتمنى القراء هم كمان يستفادوا.. ودي عبارة عن قصص ملوك وصيّع وقصص أبطال في ثياب رعاع وقصص رعاع ليهم حركات أبطال!
ومنها بنعرف حكاياته كطفل وبنتعرف على شخصية مصرية خالصة وبتحب حياته اللي هو حبها على الرغم من بؤسها!
المضحكون
بيقول السعدني زمان مدرس الحساب كان فاكرني حمار وأنا كنت فاكر نفسي عبقري وبعد فترة اكتشفت إن إحنا الاتنين غلط وبيخرج السعدني بمصطلح “حمقري” واللي من الأدلة على إنه كان عنده رؤية وتفسيرات من خياله مش عند حد أبدًا!
بما إني كنت حمقري فكنت فاكر اللي بيضحك ده شخص هلاس ولأنني كنت حمقريًا رفعت شعار “أنا بضحك إذن أنا سعيد” وبعد فترة من الزمن اكتشفت العكس هو اللي صح.. كل راجل ضاحك هو رجل بائس ومقابل كل ضحكة بيكون جواه مأساة جوه أحشائه ومقابل كل ابتسامه في دمعة جوه قلبه
حكايات قهوة كتكوت
قهوة كتكوت مقسومة لـ 3 أقسام الصبح والظهر وبالليل.. فالصبح هتلاقي المحامين والفلاحين اللي مستنيين النظر في قضاياهم.. والظهر هتلاقي طلبة الجامعات بعد ماخلصوا يومهم التعليمي.. وبالليل هتلاقي الموظفين وآخر الليل من منتصف الليل كده لحد الفجر هتلاقي الأدباء والشعراء والصفحيون.. وده بالنسبة لعمنا محمود السعدني بيمثل نموذج مصغر لمصر وعشان هو كان بيتردد على القهوة بانتظام وبيقرب لروادها وبيشارك الكل الضحك والحزن فقدر من ده يطلع حصيلة كبيرة من الحكايات اللي قالها لنا في الكتاب ده
وداعًا للطواجن
بيقول عن نفسه “العبد لله كان أكيل عالمي ولا تايسون في حلبات الملاكمة أو مارادونا في الملعب”
سهل أو عادي تكتب أو تتكلم عن الأكل لكن السعدني طالما هيتناول الموضوع لازم يكون له بصمة وهيحط اللمسة بتاع الأسلوب الفكاهي المميز بالرشاقة وبيروح يشبه “وداعًا للطواجن” في بداية الكتاب بـ “وداعًا للسلاح” لـ “إرنست همنجواي” اللي انتحر برصاصه في دماغه.. وده عشان الأكل بالنسباله زي السلاح بل أشد لأنه عمل عمايل كبيرة في معدته وفي النهاية وصل للإقلاع عن الطواجن واكتفى بالأكل المسلوق بس
آراء عنه
بعد ما تناولنا بعض الأعمال للكاتب الكبير بشكل سريع.. هنتناول بعض الآراء سريعًا:
أولها لـ كامل الشناوي على موقع goodreads بيقول عنه.. كنت فاكر خيال محمود السعدني هو أقوى حاجة لأنه لما بيتكلم أو يكتب بيضفي على ما يكتبه وما يقوله صورا يستمدها من خيال أوسع من عقليات العلماء.. لكن بعد ما قرأت “الولد الشقي” كانت اثبات إن ذاكرته أقوى من خياله وإنه بيروي أحداث طفولته بدقة وتفصيل كأن الحاجات دي حصلتله من لحظات بس!
وبيشبه عمنا محمود السعدني إنه هو الولد الشقي في طفولته وهو الولد الشقي في الصحافة أو الكتابة.. فكان في طفولته بيرمي الطوب أو الحجارة على الناس عشان يضحك ويتبسط لكنه دلوقتي بيرمي الحجارة على النجوم من الممثلين وأهل الفن ولاعبي الكورة عشان يقوم الحاجات اللي شايفها معووجة ومحتاجة تقويم بالمنطق والعنف والأسلوب الساخر.. في النهاية قال “يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط.. إنه سليط العقل والذكاء أيضا وهذا سر جاذبيته كصحفي وكاتب وإنسان” وده لأنه كان بيكتب ويواجه نتيجة كل كتاباته الصحفية تحديدًا
بيقول عنه “رجاء النقاش” الناقد الأدبي والصحفي المصري.. محمود السعدنى ساخر مسلح ملئ بالجرأة والجسارة والقدرة على الاقتحام.. المكان عند محمود السعدنى له أهمية كبرى فارتباطه الوجداني بالمكان هو سر من أسرار كتاباته وشخصياته وحياته.. هو من مدرسة نجيب محفوظ التى تمركزت حول منطقة الحسين والجمالية بشوارعها وحواريها الضيقة بملامح شخصياتها الخاصة.. فالعالم عند نجيب محفوظ هو الحارة.. والقوة عنده فى الفتوات والجمال الأنثوي
وقال المهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان الأسبق بعد وفاة السعدني: على الرغم من اعتزال الفقيد الكتابة منذ حوالي خمس سنوات لكن ها هم الناس قد أتوا لحضور جنازته.. ولو كان هناك شخص آخر حاكم أو صاحب نفوذ اعتزل منذ خمسة أيام لما كان الناس حضروا إليه مثلما حضروا للسعدنى.. فهو صاحب مبادئ ولم يبع قلمه أو فكره
واللي وصفه خلال لقاء تليفزيوني بيجمعهم الاتنين مع بعض.. رغم الضحك والانفعال بكل اللي بيكتبه إلا إن مافيش كلمة تقول عليها خارج الموضوع.. ما حسيتش إنه بيجامل في كلمة لأن بالنسباله الصح صح والعوج عوج وبيقولهم الاتنين في مواجهة فاتوجد بيني وبينه علاقة حميمة من الوقت ده”
وقبل الختام لازم نقول علاقته بأخوه “صلاح السعدني” اللي وصفه بجملة “أبي الذي لم تلده جدتي”
الشقيقين السعدني
واللي علاقتهم تخطت الأخ وأخوه لدرجة إنها وصلت للأب والابن الأصغر على الرغم من إن والدهم كان مازال عايش.. علاقتهم اللي اترسخت بسبب إن الكاتب الكبير محمود السعدني كان بيصطحب أخوه من وهو صغير للمنتديات الثقافية واللي كان السعدني الكبير من نجومها الكبار وحتى كمان الجلسات اللي فيها الأدباء سواء في بيتهم أو على القهاوي واتعاونوا مع بعض في أعمال فنية زي “الأخوء الأعداء” والتاني “القاصرات” وكمان زي ما قولنا فوق المسلسل الإذاعي “الولد الشقي”
في 2010 في إحدى ندوات المجلس الأعلى للثقافة عن تأبين الراحل محمود السعدني وصفه صلاح بإنه ماكانش فرد واحد لكن كان قبيلة بحالها لأن كان بيتمتع بتفكير في حال الأمة المصرية والعربية وكانت له قاعدة جماهيرية كبيرة على المستوى الأدبي وقال “من عاشره وعاش معه واقترب منه.. جماعة ضخمة أو هو قبيلة كاملة.. حارة بكل ما فيها ومن فيها.. لأنه كان كاتبًا متعدد المواهب”
أما محمود السعدني من أشهر الجمل اللي وصف فيها أخوه صلاح كانت في كتابه “المضحكون” واللي حكى فيه فنانين مضحكين في السينما المصرية زي فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي قال “هناك علاقة صداقة قوية جمعت صلاح السعدني بالزعيم عادل إمام منذ أن كانا سويًا في كلية الزراعة ولولا ظهور مسرح التليفزيون ما كانا نجومًا وعلامات في السينما المصرية حتى الآن وكان الاثنان ما زالا يعملان سويًا في صحاري الوادي الجديد”
في النهاية مش هنقدر نوفي كاتبنا الكبير “محمود السعدني” حقه في مقال صغير لأنه محتاج كتب تنقلنا حكاياته سواء كأعمال أو حياته الشخصية أو تأثيره الكبير وبصمته اللي سابهم لينا.. وزي ما قال “القائد الحقيقي ليس هو الذي يقود في حياته.. ولكن هو الذي يترك خلفه مصابيح تضيء الطريق من بعده” وأقوى مثال على مقولته هو شخصيًا بأعماله اللي سابها تنور لكل الكتاب من بعده