سلسلة حكايات يومية عادية.. حكاية 14: “النط في البيسين”

“هو انت ليه مستحمل الشغل في المكان ده؟”

سؤال كنت متعود اسمعه من صحابي كل ما يشوفوا وشي على الوضع غير الآدمي اللي بقالي 3 سنين مستحمله في شغلي.

كنت طالب في الجامعة.. من سنة أولى بدأت أنا وزمايلي ننزل ندور على فرص تدريب في المواقع والصحف إعمالا بمبدأ “اتعلم واشتغل”.. واشتغلنا في مواقع بير سلم محدش يعرفها.. وصحف محدش بيسمع عنها.. لحد ما جاتلي الفرصة في موقع صحفي كبير ومعروف.. وكنت مبهور إن طالب لسه ماعندوش خبرة في المجال تجيله فرصة زي دي.. فضل ونعمة.

بس الخازوق بقى.. شغل Full time من غير مرتب عشان انت متدرب.. بس هتتدرب 3 شهور بس ولو اثبتت كفائتك هينزلك مرتب.. والـ 3 شهور بقوا سنة.. سنة شغال يوميا Full time مع الجامعة من غير فلوس.. والشغل مش مكتبي وبيتطلب نزول في الشارع ومشاوير وسفر.. وبعد السنة بدأت آخد مرتب.. بس اتحرج أكتبه دلوقتي إحتراما للي بيقرأ الكلام ده.. وفضلت في الوضع ده سنتين ونص كمان.

“عن خوفنا من التوهان.. من اللف والدوران والبحث عشان نلاقي اللي إحنا عايزينه.. أو حتى نعرف إيه اللي إحنا عايزينه أصلا.. عن خوفنا من المخاطرة باللي معانا دوقتي.. حتى لو مش عايزينه.. عشان نبدأ ندور على حاجة تانية عايزنها”

ليه ممكن واحد يشتغل في عز شبابه في شغلانة طافحها ومن غير مقابل مادي ولا معنوي.. بس ماعندوش الجرأة يسيبها أو يغيرها؟” تستمر تساؤلات صحابي.. ومعنديش رد والله!

بقالي أكتر من 3 سنين في مكان.. الناس كلها عرفتني فيه.. باخد فلوس قليلة بس احسن من مفيش.. اسمي شغال أحسن ما أبقى عاطل.. بس هل ده الشغل اللي أنا عايزه؟ ماعرفش.. طب أنا عايز إيه؟ ماعرفش.. مش يمكن لو كملت شوية كمان يبقى ليا مستقبل في المجال ده واسمي يتعرف؟ أو يمكن لو مشيت دلوقتي أبقى ضيعت 3 سنين من حياتي؟

لحد ما لقيت فرصة شغل كده مفيش فيها تفاصيل كفاية غير إنهم طالبين حد بخبراتي ومؤهلاتي.. قدمت.. ونسيت إني قدمت.. لحد ما كلموني.. وكلموني في الوقت اللي شغلي الأساسي بقى فيه مدير جديد كويس وشاطر.. المرتب احتمال يزيد.. وبقى فيه تأمين طبي واجتماعي.. وأشياء من هذا القبيل.

الشغلانة اللي قدمت عليها طلعت 6 شهور بس.. لكن عايزين تفرغ كامل وتام وطول الـ 6 شهور بدون أي حجج أو مبررات أو أعذار.. بس مرتب أكتر وخبرة أكتر وتايتل أكبر.. الشغل الأساسي رفض يديني أجازة بدون مرتب.. والشغل الجديد مش عايز شغل معاه.. سيداتي سادتي، نحن أمام عملية انتحارية اسمها “النط في البيسين”.

الخوف من سقوعة المياه واللسوعة.. و”هـ عد لحد 10 وانط”، ونرجع نعد من الأول!

كل الأفكار بقى والتخوفات اللي تخص طب لو مشيت من الشغل الأساسي لما الـ 6 شهور يخلصوا واقعد في البيت هعمل إيه بعد كده؟ وعصفور في يد أحسن من 10 على الشجرة؟ وإزاي هخاطر بشغل 3 سنين وتأمينات ومرتب ثابت حتى لو زهيد عشان فرصة مدتها 6 شهور وبالسلامة انت بقى.

شهر كامل أو أكتر قلقان ومش عارف أعمل إيه ومش عارف أقرر وبصلي استخارة وفي يوم وانا بقلب في الفيسبوك لقيت بوست لواحدة صاحبتي اتكلمت عن تجربتها الشخصية في مدونة بعنوان “عندما قيل لى مستقبلك مالوش ملامح – عن النط فى البـــيــســيـن!”.. وكان جزء من اللي كتبته: “هــىّ الحسبة كده، عمرنا ما هـ نعرف ثمن وضريبة النط في البيسين (اللسوعة)، واحنا قاعدين على الشيزلونج بـ ناخد تان.. عمرنا ما هـ نعرف حجم السعادة الذى يسببه مقدار “الأدرينالين”. وعمرنا ما هـ نعرف القيمة الحقيقية لما لدينا، إذا لم نخاطر فى لحظة من اللحظات بالنط به فى البــيــســيـن.”

ودي كانت العلامة بقى بالنسبالي.. اللي بنفضل ندعي بيها ربنا “علامة يارب”…. فجأة لقيتني بكلم مديري وبقدم استقالتي.. ومرتاح جدا للقرار.. مفيش ندم.. مفيش قلق.. ولأول مرة من كتير أوي.. أحس إني مرتاح.

لو وصلت للجزء ده من الحدوتة.. فالـ 6 شهور خلصوا.. وجالي شغلانة تانية.. وبعدها سيبتها.. وجالي شغلانة تالتة.. والحياة كملت بشكلها الطبيعي.

أحيانا كل اللي إحنا محتاجينه إننا مانبصش حوالينا.. مانمدش رجلينا في المياه عشان نشوف هي ساقعة ولا سخنة.. أو نستنى تشجيع من الناس اللي حوالينا.. غمض عينك.. خد نفس عميق.. ونط.

Only those who are not afraid to die will learn how to live – فقط من لا يخاف الموت، يتعلم كيف يعيش

Related Articles

Back to top button