سلسلة حكايات يومية عادية.. حكاية 22: “اليوم اللي حببني في الأطفال”

عمري ما كنت بنت الجواز والأطفال جزء من تفكيرها، ولا حتى صحابي.. كنا أطفال مشغولين بطفولتنا فقط وأقصى حاجة كانت بتيجي في بالنا هي إننا ننجح في الامتحانات أو نخلص المذاكرة اللي ورانا… حتى دي مكانتش بتهمنا أوي.
في يوم من الأيام نزلت من بيتي وكنت مش قادرة للدرس اليوم ده، بس لأني كنت في ثانوية عامة مكانش عندي اختيارات فركبت الميكروباص ونمت….
صحيت على صوت شوية عيال بتنكش السواق وبيهزروا معاه، بصيتلهم وقولت في سري “كيوت العيال دي.. بس خليني في حالي أحسن”.. بعد شوية الدور جه عليا، لقيت البنت الصغيرة بتكلمني وبتقولي:
– ” طنط…اسمك ايه؟”
= ” أنا فيبي…انتي مين؟”
– “أنا دينا”
= “ازيك يا دينا؟”
– “أنا كويسة”
افتكرت إن الموضوع خلص على كده وحضنت شنطتي وغمضت عيني…بس لقيت إيد صغيرة ملبكة بنغزني في كتفي وبتقولي:
– “انتي رايحة فين؟”
= “أنا رايحة درس انجليزي”
– “واو… انتي بتعرفي تتكلمي انجليزي؟ طب قولي حاجة كده…”
في الوقت ده حسيت إني مطلوب مني أرغي فقولت أما أفتح موضوع هي ترغي فيه وأنا أمثل إني بسمع لحد ما المشوار ده يعدي على خير، فسألتها:
= “انتي في سنة كام…مش بتاخدوا انجليزي في الحضانة؟”
– “لأ…أنا مش بروح الحضانة…لسة السنة الجاية”
= “انتي عندك كام سنة؟”
رفعت لي إيدها وعملت بإيدها رقم 5، في اللحظة دي أختها بصيتلي
وقالتلي: “أربعة…” فرجعت بعيني للبنت الصغيرة وكملت كلامي:
= “واو…انتي كبيرة خالص.. السنة الجاية خلاص هتتكلمي انجليزي زيي”
بعدها سكتنا إحنا التلاتة لمدة دقيقتين مثلاً وبعدين البنت الصغيرة قالتلي:
– “انتي عسولة أوي.. ممكن أبوسك؟”
بصيتلها شوية وبعدها قولت بتردد شديد…”ماشي”.
باستني بوسة صغننة على خدي وعشان أكمل جميلي قولتلها “واااو…دي أجمل بوسة أخدتها في حياتي”
افترقنا في نص الطريق، هم نزلوا وأنا كملت يومي عادي.. خلصت الدرس وروحت بيتي ونمت.
عدى كام يوم شبه بعض بالظبط مدرسة ثم درس ثم نوم…وفي مرة نزلت اتمشى مع صحابي…جيبنا آيس كريم وشوية اكسسوارات وفضلنا نتمشى وفي وسط ما إحنا بنتكلم لقيت حد شدني من البنطلون فجأة.. بصيت تحت لقيتها بنت صغيرة بتشحت بمنتهى البراءة والرزالة اللي في الدنيا وبتقولي “هاتي جنيه”..
عدت لحظة من الصمت ولقيتها بتصرخ …”فيييبيييي” وقامت حضنتني جامد أوي…ولأنها كلها على بعضها 40 سم فحضنت رجلي، كانت صغيرة جداً لدرجة إن دراعها موصلش حتى لركبتي.
ساعتها اتمسمرت في مكاني وحسيت بكمية مشاعر متضاربة، عمري ما كنت أتخيل إني ممكن أقابل حد من “البنات دول” في سياق حياتي الطبيعي…وعشان أقول الحقيقة عمري ما فكرت فيهم أصلاً.
فجأة ظهرت بنت تانية زعتقلها وزقيتها بعيد ولما سألتها انتي مين بصيتلي وقالتلي بنبرة كلها كدب “أختها”.
كان عندي ظن ساعتها إني هاجي تاني يوم الاقيها في نفس الشارع وفي نفس الحتة… ولما رجعت البيت قولتلهم إن فيه بنت صغيرة محتاجين نساعدها… أهلي وافقوا وقالولي ممكن نتفق مع جمعية خيرية أو ملجأ مخصص لأطفال الشوارع. وفعلاً روحنا أنا وصحابي تاني يوم ندور عليها …ولكنها اختفت.
ومن اليوم ده ابتديت أحب الأطفال وأحس إني لازم أول أما أتم التلاتين أجرب أتبنى أو أكفل طفل، مع انحيازي الواضح للبنات، لأن العالم مليان أطفال كتير ما تستاهلش المستقبل الضلمة اللي مستنيها.