سلسلة حكايات يومية عادية.. حكاية 7: 35 نوفمبر
في العموم أنا شخص لا يبكي كثيرًا، فقط في بعض اللحظات النادرة للغاية مثل (مشهد مؤثر بقاعة السينما المظلمة بلا شهود على هذه الدموع وأحيانًا مشاهدة بعض الأفلام أو المسلسلات خارج السينما وعند سماع مقطوعة موسيقية جميلة و عند سماع أخبار سعيدة وعند وداع الأصدقاء في حالة السفر أو الزملاء عند ترك العمل وعند استقبال بعض رسائل المدح أو التشجيع وأثناء نشرات الأخبار وفيديوهات إنقاذ الحيوانات وأثناء الاستحمام بدون أسباب واضحة) فقط هذه بعض الحالات القليلة جدًا جدًا التي يمكن أن أبكي فيها! ولكن ليس اليوم.
يطاردني صوت داخلي مُلح منذ عدة أسابيع لأكتب شيئًا ما عن هذا الرقم المميز،35! كانت الأفكار الأولى تتمحور حول الصدمة، كيف وصلت إلى هنا؟! أنا أتذكر كل شيء، لقد أنساب الوقت من بين أصابعي كحبات الرمال، شريط الزمن الخاص بي استطيع استرجاعه بسهولة بأهم المحطات الشخصية به ويبدو أنه سريع للغاية عند النظر له من هذه اللحظة،كحلم ليلة صيف، وما أن شعرت أن قدمي ستنزلق نحو البكائيات على العمر الذي يمر سريعًا حتى تداركت نفسي وأمسكت بعدستي المفضلة للنظر للأشياء فوجدت أنسب ما يمكن الكتابة عنه لهذا الرقم هو أنني محظوظ.
أنا كثير التفكير والمراجعة للحظات حياتي والخطوات التي اتخذتها، وربط الأحداث ببعضها البعض، وملاحقة أثر الفراشة الخاص بي، ومدّ الخيوط على استقامتها، ومحاولة إيجاد معنى لكل ما حدث ويحدث لي -أعتقد أن السبب في ذلك هو أنني كنت دائمًا أحاول أن أجد لنفسي معنى وهدفًا أسمى في هذا العالم الكبير، وأقنع نفسي بأن وجودي يجب أن يكون مؤثرًا وذو قيمة عالية. حتى أنني كنت أضع مخططات وأفكارًا ورسومات لتطوير كل شيء حولي، بدءًا من حيِّي السكني الصغير، ثم مصر، وصولًا إلى العالم. ولا أعرف ما هذه الأفكار التي أثقلت بها محمد الصغير؟! ولكن ما علينا- ثم أدركت أن الخطط لا تناسبني؛ فهي دائمًا ما تفشل بمجرد أن أضعها، وأهم لحظات وتجارب حياتي حتى الآن جاءت عندما تركت نفسي للتيار، للصدفة، للفرصة الجيدة. لا يعني هذا “المرقعة” أو التكاسل، بل العكس؛ فقد سعيت دائمًا، لكن القدر كان يفاجئني بخطة جديدة لم أكن أتوقعها. فقط كان عليا المبادرة وأن أترك الباقي للتيار.
من هنا، أجد أن كل ما وصلت إليه كان بفضل الحظ الجيد الذي أتاح لي فرصًا لم أستهِن بها قط، بل كنت شاكرًا لها وأعطيتها كل ما لدي، فأعطتني أضعاف ما أعطيتها. ثم تأتي لحظة جديدة من التخطيط، وما إن أبدأ بها حتى يأخذني التيار إلى خطة بديلة، فأشمر عن ساعدي وأبدأ السباحة.
ملحوظة: أنا سباح جيد بعيدًا عن الرمزية، والفضل في ذلك لأمي التي أصرت على إلحاقي بدروس السباحة في الصغر. لهذا أحب البحر والمياه عمومًا، فهي المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالحرية والخفة مع جسدي الثقيل، وهذا الأخير قصة أخرى وعدت نفسي ألّا أعطيه أكثر من حجمه في هذه التدوينة، فيكفي حجمه الكبير بالفعل، هاهاها!
العام المنقضي كان الأصعب على الإطلاق من الناحية النفسية في هذا الفصل من حياتي – فصل حياة الكبار – حيث طاردني بعنف سؤال “من أنا؟!”، مطاردة وجودية أوصلتني إلى لحظات مظلمة لم أتخيل أن أعيشها من قبل، لحظات من اليأس بكل شيء، وأولهم نفسي. بالتدريج، حاولت الخروج من هذه الحالة بمعاناة شديدة وبمساعدة الأصدقاء المقربين والأهل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. الآن، أنا في مكان أفضل مما كنت عليه في بداية هذا العام، وبالطبع لم أصل إلى إجابة عن السؤال، إذ لازلت أحاول فهم من أكون؛ فمعركتي مع نفسي لا تنتهي. أخذت على نفسي عهدًا في ليلة “ينايرية” قبل عدة سنوات بأن أحاول دائمًا أن أكون إنسانًا أفضل، نسخة أفضل من نفسي. أحيانًا أنجح وأحيانًا أنتكس، لكن الثابت أنني أحاول دائمًا، أحاول أن أكون ابنًا بارًّا، وأخًا أفضل، وصديقًا جيدًا، وزميلًا لطيفًا، وحبيــــــــ… لا، هذه لم تأتِ بعد!
لذا، أعتقد أن هذا من الأسئلة التي قد تستغرق العمر كله للإجابة عنها. لكنني أستطيع أن أتيقن من جزء من الإجابة حتى هذه اللحظة: عند الرقم 35، أعتقد أنني محظوظ. محظوظ بعائلتي، وأصدقائي، وحياتي المهنية حتى الآن، وقططي، واختياراتي السيئة قبل الجيد منها. محظوظ للغاية، ولهذا أنا ممتن وشاكر لهذا الحظ الوفير بسعة الأرض والسماء.
ومحظوظ بك، يا من قرأت كل هذا الهراء الذي يتمحور حول ذات شخص قد لا تعرفه، أو تعرفه ولكن ليس لديك الوقت لكل هذا الكلام الفارغ، فشكرًا لصبرك حتى النهاية! *تم إرسال قبلة في الهواء