عن خناقة “قول كذا وماتقولش كذا”.. إيه هي الـ Political Correctness؟
كتب – عمر هشام
(ماسمهاش الشغالة.. اسمها الست اللي بتساعدنا في شغل البيت)
أكيد سمعت قبل كده أو عدى عليك مصطلح “الصوابية السياسية” أو الـ Political Correctness.. وحاليا بقى مصطلح بيتكرر كتير ومن النقاشات اللي بتحصل في الإعلام والمجتمع على المستوى العالمي.. وبقت نقطة خلاف كبيرة بين الناس.. فيه ناس شايفاها ضرورية عشان نحترم كل فئات المجتمع.. وفيه ناس شايفة إن الموضوع زاد عن حده وإنه بيحد من حرية التعبير.. والفكرة دي ليها جذور تاريخية طويلة لكن الجدل اللي حواليها لسه مستمر..
والناس لسه بتسأل: هل الـ Political Correctness بتساعد المجتمع فعلا ولا بقت مجرد وسيلة للرقابة على الكلام؟
طب إيه هي أصلا؟ وليه فيه اهتمام بيها أو معارضة ليها؟
الـ Political Correctness أو الصوابية السياسية هو مصطلح بيتقال على اللغة اللي بتحاول تبقى بأقل شكل ممكن يزعل أو يضايق الناس خصوصا لما بنتكلم عن مجموعات معينة أو أقليات أو مهمشين أو ناس مضطهدة اجتماعيا وتاريخيا.. الموضوع بشكل عام بيتكلم عن استخدام لغة تخلي الناس تحس إن مفيش تمييز أو إساءة.. وده بيظهر بشكل واضح لما بنتكلم عن قضايا زي النوع الاجتماعي أو العرق أو الدين أو اللون أو الثقافة أو التوجهات والميول الجنسية.. والفكرة دي اتناقشت من ناس كتير واتعمل عليها جدل كبير.. ناس معاها وناس ضدها وناس مش فارق معاها.. وناس أحيانا كمان اتريقوا عليها عشان مش مقتنعين إن تغيير اللغة ممكن يغير أفكار الناس أو معتقداتهم.
تعالوا نعرف لمحة سريعة عن تاريخ الكلمة دي..
حسب موقع Britannica.. الكلمة دي ظهرت لأول مرة في قاموس “الماركسية-اللينينية” بعد الثورة الروسية سنة 1917.. وفي أواخر السبعينات وأوائل التمانينات، السياسيين الليبراليين بدأوا يستخدموا الكلمة بشكل ساخر لما كانوا بيتريقوا على تطرف بعض القضايا اليسارية.. وفي أوائل التسعينات، المحافظين بدأوا يستخدموا الكلمة دي عشان يعارضوا اللي كانوا شايفينه زيادة أو أوفر في المناهج الليبرالية في الجامعات والكليات في أمريكا.. ومع أواخر التسعينات، بقت الكلمة دي أكتر حاجة بيستخدمها الكوميديانات عشان يتريقوا ويسخروا من الخطاب السياسي.
طب دي كلها حاجات تاريخية من مجتمعات برا مجتمعنا المصري أو العربي.. ليه بنتكلم عنها؟
ببساطة عشان “الصوابية السياسية” مابقتش مجرد مفهوم خاص بمجتمعات معينة.. هي بقت جزء من الجدل العالمي حوالين اللغة والحريات واحترام التنوع ورفض العنصرية والتمييز.. وكل ده بقى ليه تأثير واضح على كل المجتمعات بما فيها مجتمعنا المصري.
يعني أكيد عدى عليك واحد من الأمثلة دي قبل كده أو أكتر:
ماسمهاش “الشغالة” اسمها “الست اللي بتساعدنا في شغل البيت”.. ماسموش “البواب” اسمه “حارس العقار”.. ماسموش “الزبال” اسمه “عامل النظافة أو عامل جمع القمامة”.. ماسموش “اسود” اسمه “أسمر”.. ماسموش “أعمى” اسمه “كفيف”.. ماسمهمش “ذوي الاحتياجات الخاصة” اسمهم “ذوي القدرات الخاصة”.. كل الأمثلة دي بسيطة.. بس فيه غيرها كتير بشكل أعمق وأكبر منها كانت وما زالت خناقات وجدالات بتحصل على السوشيال ميديا وخصوصا على أكتر بلاتفورم الناس بتتخانق عليه “تويتر”.
والموضوع عندنا هنا ممكن نقول إنه لسه في مراحله الأولية والبسيطة بسبب طبيعة المجتمع والأفكار واللغة.. بس في المجتمعات الغربية الموضوع وصل لمراحل متطورة جدا من الصوابية السياسية..
حالة كلاسيكية مثلا على ده هي كلمة “Nigger”.. بسبب الصوابية السياسية مش هتسمع الكلمة دي ولا تشوفها مكتوبة حتى.. ومعظم الصحفيين بيخافوا يستخدموها حتى لما بينقلوا كلام عن حد تاني قالها.. وبدالها ممكن يشفروها بنقط أو نجوم N***** أو يستخدموا تعبيرات زي “the n-word”.. والموضوع وصل لدرجة إن الناس ممكن تتعرض لمشاكل كبيرة لمجرد إنهم قالوا حاجة شبه الكلمة دي.. ولو انت بتتفرج على أفلام ومسلسلات أجنبية كتير هتاخد بالك من المثال ده.
مثال تاني مثلا، في الكتابة، هتلاقي أغلب الكتابات بتخاطب الذكر والأنثى: “لو عايز/ة تقدم/ي على الوظيفة دي ممكن تبعت/ي الـ CV على الايميل ده..”
ومثال تالت كان من أكتر الحاجات اللي عملت مشاكل وجدل كبير هو Miss و Mrs. زي “آنسة” أو “مدام” عندنا.. فليه أصلا انت تفترض من نفسك الست دي آنسة ولا مدام.. فبقى الخطاب الشائع للستات هو Ms.
والأمثلة دي كلها على سبيل المثال مش الحصر.. الموضوعات بتوصل لحاجات أعمق وأعقد بكتير من كده.
من ناحية اللغة.. ممارسة الـ Political Correctness بتبان إنها مبنية على إننا نشيل أي استبعاد أو تمييز أو تفرقة أو إهانة أو تقليل لمجموعات معينة بسبب اللغة. حسب نظرية سابير-وورف، اللي بتقول إن إدراكنا للواقع بيتحدد بالطريقة اللي بنفكر بيها، والطريقة دي بتتأثر باللغة اللي بنستخدمها.. يعني، اللغة بتشكل الواقع بتاعنا وبتخلينا نفكر ونتصرف بطريقة معينة.. اللغة كمان بتوضح وبتزود أو تقلل التحيزات اللي جوانا.. وعشان كده لو استخدمنا مثلا لغة فيها تمييز ضد الستات ده هيزود التمييز.. ولو استخدمنا لغة عنصرية ده بيزود العنصرية.. وهكذا.
أما المعترضين على الـPolitical Correctness بيشوفوها نوع من الرقابة اللي بتقيد حرية التعبير.. وبيشوفوا إنها بتعتبر إن أي كلام ممكن يبقى “جارح” حتى لو مفيهوش إهانة أصلا.. وبيشوفوا إنها بقت نوع من الرقابة اللي بتمنع الناس تعبر عن آرائها بحرية خوفا من إنهم يتعرضوا لإساءة أو هجوم… وإن “النقاشات الصحية” لازم يكون فيها كل الأراء مسموحة حتى لو كانت آراء مش شعبية أو مش مريحة أو حتى صادمة لبعض الناس.. بمعنى إن لو حاولنا نمنع أي كلام “مسيء” أو “مزعج”.. هنبقى كده بنخنق الحوار العام وبنخلي الناس تتجنب الكلام في أي مواضيع حساسة.
وفيه ناس شايفة إن الصوابية السياسية بتركز على الكلمات واللغة بدل ما تركز على المشاكل الفعلية.. يعني بدل ما نحل مشاكل التمييز والعنصرية والكراهية الحقيقية.. إحنا بس بنركز على تعديل الألفاظ.. فـ لو حد قال جملة أو كلمة مش مناسبة.. هيتهاجم.. لكن ده مش بالضرورة هيغير حاجة في التمييز الفعلي اللي الناس بتعاني منه.. وبعض الناس شايفين إن تغيير الألفاظ مجرد تجميل سطحي للعنصرية والتمييز ومش بيغير القلوب أو النوايا.
وواحد من الانتقادات المشهورة هو إن الصوابية السياسية بقت بتشجع على المبالغة في ردود الأفعال.. فممكن حد يتعرض لانتقادات شديدة أو هجوم أو يتم مقاطعته ومعارضته لمجرد إنه قال رأي مش “مناسب” أو استخدم لفظ مش عاجب الناس.. وده مع الوقت بيعمل نوع من الخوف في المجتمعات وبيخلي الناس تتجنب الكلام في مواضيع معينة حتى لو مقتنعين بيها.
يعني بشكل عام.. اللي بيعترضوا على الصوابية السياسية شايفين إن الفكرة نفسها تجاوزت الحدود واتحولت لوسيلة للسيطرة على الأفكار وإنها بتمنع حرية التعبير وبتضعف قدرة الناس على التعامل مع المنقاشات الصعبة في المجتمع.
فالناس المهتمة بالموضوع بقوا فريقين..
فريق شايف إن الـ PC لو اختصرنا الكلمة.. بتمنع حرية الرأي والتعبير.. والفريق التاني شايف إن حرية التعبير بتديك الحق تقول اللي انت عايزه وفي نفس الوقت بتدي لغيرك الحق إنه يقولك إن كلامك مؤذي.
فريق بيتجاهل الـ PC عشان الضحك والهزار والتعبير مش المفروض يبقى عليهم قيود أو منع.. وفريق شايف إن لما حد بيتريق على مجموعة هو مش جزء منها ده ممكن يزود من التمييز ضد المجموعة دي لأن الشخص اللي بيهزر مابيخسرش حاجة لكن الناس اللي هو بيتريق عليهم ممكن يخسروا كتير.
فريق شايف إن الـ PC أوفر وزيادة عن اللزوم.. وفريق شايف إنها مهمة عشان بتحمي الناس المعرضة للتمييز والعنصرية والكراهية اللي تصرفاتنا وكلامنا ليهم تأثير كبير عليهم.
قولنا بقى انت شايف إيه؟
ولو حابب تقرأ أكتر عن الموضوع بتفاصيل أكتر ممكن تبص بصة على المصادر دي:
Britannica – Reachout – إضاءات – Wiley – Jstor – BostonReview – ThoughtCo – The Choate News