فترة العشرينات.. بين الصورة النمطية والواقع
كتب – عمر هشام
“أهم حاجة في العشرينات إنك تهتم بصحتك وجسمك.. مش مهم الشغل أوي ولا العلاقات الاجتماعية ولا الفلوس.. جسمك هو اللي هيشيلك بعدين.. وعشان كده أهم حاجة في الفترة دي إنك تنزل الجيم أو تلعب أي رياضة تبني بيها جسمك.. ممكن تتأخر على ديدلاين عادي عشان أنت في الجيم أو تفكس لخروجة مع صحابك أو أهلك عشان ده وقت التمرين”
“أهم حاجة في العشرينات هي شغلك.. الشغل هو اللي هيكبرك وهيعملك قيمة في المجتمع ولما تتعب في الشغل في العشرينات هترتاح بعد كده في التلاتينات.. فماتركزش في أي حاجة غير الشغل.. لو الجيم هيجي على وقت الشغل ماتروحوش.. ولو القعدة مع صحابك وأهلك هتعطلك عن شغلك ماتقعدهاش”
“أهم حاجة في العشرينات إنك تحوّش فلوس.. الفلوس هي مصدر القوة الوحيد في العصر ده.. ماتصرفش فلوسك في تفاهات.. سيبك من الخروجات والفسح والحاجات اللي مش مهمة.. أهم حاجة تحوّش”
“التحويش في فترة العشرينات مالوش لازمة ولا أهمية.. دي الفترة الوحيدة اللي هتعرف تتبسط فيها بفلوسك وشبابك وصحتك.. فاخرج واتبسط واتفسح واصرف على أي حاجة هتبسطك”
كل نصيحة من اللي فوق دول أقنعوك بشكل ما مش كده؟ حتى لو بنسبة صغيرة؟ وعشان كده كل نصيحة منهم مش ملزمة ولا حقيقية ولا ضرورية.. وبشكل عام أغلب النصايح اللي بتتقالنا بتبقى نتاج تجارب وخبرات وظروف الشخص اللي بيقول النصيحة.. ممكن أحيانا تنفع معاك وأحيانا كتير مش هتنفعك.. وفترة العشرينات هي أكتر فترة هتسمع فيها نصايح من كل الناس اللي أكبر منك.. نصايح في الشغل والصحة والعلاقات والفلوس.. بس هل فعلا كل نصيحة تنفع معاك؟ أو كل نصيحة عملية وقابلة للتطبيق حسب ظروف حياتك أنت؟ أو كل نصيحة هتفيدك فعلا؟ ولا ممكن تضرك؟
ما تيجوا نتكلم شوية عن فترة العشرينات..
العشرينات تعتبر مرحلة مليانة تحولات واكتشافات شخصية.. ناس كتير بتقول عليها “الفترة الذهبية” في الحياة.. أو زي ما كانوا بيقولولنا “أحسن سنين عمركوا”.. أحيانا فعلا لو بصيتلها من برا هتلاقي الشاب العشريني أو الشابة العشرينية عندهم شوية حرية وإمكانيات عشان يعملوا حاجات مختلفة ويجربوا حاجات متنوعة.. بس فيه صور نمطية كتير وأفكار كتير غلط مرتبطة بالمرحلة دي من حياتنا.
الصور النمطية المغلوطة عن فترة العشرينات كتير.. ممكن نتكلم على كذا حاجة منهم على سبيل المثال مش الحصر.. زي مثلا إنها الفترة اللي لازم كل شاب فيها يكون حقق نجاحات كبيرة في حياته المهنية والشخصية.. الصورة اللي -بعض الناس- فارضينها علينا إنك لازم تكون اتخرجت من الجامعة من كلية كويسة.. تشتغل في وظيفة كويسة.. وأحيانا كمان -بجملة الضغط- تكون اتجوزت وبدأت تكوّن أسرة.. ومع كل ده تكون مهتم بصحتك وأكلك وبتنزل الجيم.. وتبقى محافظ على علاقتك بأهلك وصحابك.. طب إزاي كل ده وإمتى؟ في ظروف حياة غالبا مش بتساعد حتى على تحقيق حاجتين اتنين بس مع بعض من الحاجات دي كلها.
التوقعات دي مرهقة ومش عملية وبتخلق ضغط مش طبيعي على الشباب في فترة عشريناتهم.. لكن كل اللي بينصحوا وينظروا ويزايدوا على الشباب في المرحلة دي بينسوا يقولوا حاجة مهمة.. إنها فترة الاكتشاف والتجارب.. مش فترة تحقيق الإنجازات الكبيرة وتقفيل اللعبة.
عشريناتك هي مرحلة نضجك وتكوين شخصيتك.. واستكمالا للأفكار المغلوطة.. أنت مش مطلوب منك تبقى عارف انت عايز إيه في المرحلة دي.. رحلة حياتك كلها على بعض هي رحلة استكشاف وتجارب.. بتجرب حاجة بتعرف إنك مش بتحبها، وبتجرب حاجة تانية بتعرف إنك بتحبها.. اكتشاف الاهتمامات والرغبات شيء تراكمي وبيحصل بالوقت وبالتجارب.. فعادي إنك تجرب وظايف مختلفة ومسارات مهنية مختلفة.. وعادي إنك تغلط.. وعادي إنك تجرب.. وعادي إنك تتخن.. وتخس.. وترتبط.. وتفركش.. وعادي إنك يعدي عليك أيام مش عارف انت هنا في الدنيا ليه وبتعمل إيه وتفضل تسأل كل الأسئلة الوجودية اللي محدش عنده إجاباتها.. وعادي إنك ماتبقاش لاقي مبرر إنك تصحى من النوم غير إنك “لازم” تصحى.. لكن في وقت ما هتوصل لمرحلة إنك بتصحى من النوم عشان “عايز” تصحى.. عشان عايز تعمل الحاجة اللي انت بتحبها.
بعد كده نيجي لفكرة نمطية غلط ومنتشرة جدا.. وهي إن عشريناتك لازم تبقى مليانة فرحة وانبساط وحيوية وخروج علطول.. فيه ناس في الفترة دي فعلا عايشين حياتهم بالطول وبالعرض.. وفيه ناس تانية عندها تحديات وصعوبات مختلفة.. فيه مننا اللي عنده اكتئاب وقلق.. وفيه اللي ظروف حياته صعبة وتقيلة.. فيه اللي أهله بيصرفوا عليه.. وفيه اللي بيشتغل 3 وظايف عشان يوفر احتياجاته الأساسية.. الحياة مش عادلة.. بس انت مش لوحدك وفيه زيك كتير.. وحتى لو لوحدك.. ماتسمحش لحد ينظر عليك أو يزايد عليك عشان دي “حياتك” انت و”ظروفك” انت مش حياته ولا ظروفه.. وكل واحد عنده ظروفه الخاصة.. اللي ممكن يبقى مناسب لشخص في فترة عشريناته ممكن مايبقاش مناسب لحد تاني في نفس السن.. فيه حد ممكن يلاقي اهتمامه وشغفه بسرعة.. وحد تاني لأ.. أو مش بنفس السرعة.. الشغلانة اللي تنفع حد ممكن ماتنفعش حد تاني.. مش كل الناس ينفع يبقوا موظفين ولا كل الناس تنفع تبقى رواد أعمال.. وعامة الإحساس بعدم اليقين من المستقبل ده شعور طبيعي وجزء من مرحلة النمو.
الشغل في العشرينات مثلا.. مين اللي من حقه يقول يبقى كام ساعة؟ غير الشخص اللي بيشتغل فعلا وأدرى بصحته وظروف حياته؟.. يعني مثلا ممكن تلاقي حد بينصحك إنك تشتغل 16 ساعة في اليوم.. لكن لو طبقت نصيحته بالحرف، مع الوقت ممكن تلاقي نفسك تعبان نفسيا وجسديا.. وإنك مجهد علطول ومرهق وماعندكش إنتاجية على المدى الطويل.. وهنا هتتعلم إنك محتاج توازن بين حياتك الشخصية والشغل.
ماتسمحش لحد يقولك ماتتطالبش بحقوقك وانت في العشرينات.. الكلام عن الحقوق وخصوصا حقوق العمل مش حكر على سن معين أو طبقة معينة.. ده حقنا كلنا.. زي ما حقنا كلنا إننا نسعى لظروف عمل أفضل بدل ما نتقبل الظروف غير الآدمية كحتمية.
ومين اللي قال إن الجواز بدري بيعطل؟ التوقيت المناسب للجواز بيختلف من شخص للتاني حسب ظروفه وأهدافه الشخصية.. فيه حد ممكن يتجوز في أوائل عشريناته عشان ظروفه تسمح وحد ممكن يتجوز في الأربعينات أو الخمسينات.. وعادي.. الجواز ممكن يبقى داعم ومحفز لبعض الناس وممكن يعطل ناس تانية.. أهم حاجة إنك تبقى واعي ومستعد للالتزامات والمسؤوليات اللي بتيجي مع الجواز.
والناس اللي بتنصح إنك تحوّش فلوسك وتستثمرها.. أو إنك تصرفها وتتبسط.. محدش فيهم يعرف ظروفك.. التحويش والاستثمار مهم طبعا.. بس ده لو انت مكفي احتياجاتك وأساسياتك وعارف تحوّش وتستثمر.. انت اللي بتتعب في الفلوس دي فأنت اللي من حقك تقرر عايز تصرفها على حاجات مهمة أو حاجات مش مهمة أو تحوّشها.
الخبرة أهم ولا الفلوس؟ إنك تختار الخبرة على الفلوس في عشريناتك ممكن تبقى حاجة كويسة لو انت قادر تعيش بالخبرة بس.. لكن لو انت ظروفك المادية صعبة فأكيد الفلوس هتبقى بالنسبالك أهم.. في الحالتين ماتسمحش لحد يستغلك أو يستغل قلة خبرتك.. انت بتعمل شغل تستحق عليه فلوس.. خبرة بقى ولا فلوس أنت الوحيد اللي تقدر تحدد أولوياتك.
أما الناس اللي بتقولك اقطع علاقتك بصحابك.. وصحابك هيعطلوك.. وانت أولى بالوقت ده تطور نفسك وشغلك.. انت برضه اللي تقدر تحدد صحابك بيعطلوك ولا بيدعموك.. محدش بيقدر يعيش لوحده.. وتكوين الصحاب أحيانا كتير بيبقى داعم ومهم وخصوصا خلال العشرينات.. الصحاب بيوفروا دعم عاطفي والعلاقات الاجتماعية الصحية والمتوازنة بتحافظ على صحتك النفسية.. فانت اللي تقدر تختار صحابك وتقرر تصاحب مين وماتصاحبش مين أو تطور علاقتك بمين وتقللها مع مين.
وأخيرا، النصايح العامة ممكن تكون مفيدة لبعض الناس، وممكن تبقى ضارة لناس تانية.. ومهم إنك تقدر تاخد من النصيحة اللي يناسبك وينفعك أو ماتسمعش للنصيحة خالص لو هي مش مناسبة لظروف حياتك.. رحلتك فردية والحياة مش سباق وكل واحد ماشي في طريقه الخاص ورحلته الخاصة.. ومرحلة العشرينات مهمة عشان تتعرف على نفسك أكتر ورحلتك ورغباتك واهتماماتك ومبادئك وحدودك ومساحتك الشخصية.. النصايح والتجارب والخبرات نسبية وبتختلف من شخص للتاني.
والدنيا مش أبيض وأسود.. الحياة عبارة عن درجات من الرمادي.. فماتتعاملش مع النصايح والناس اللي بتقولك إعمل كذا وماتعملش كذا على إنها حقايق وقواعد وحاجات مسلّم بيها.. قبل ما تقرأ أي حاجة أو تسمع أي شخص.. فكر وانقد اللي بتسمعه أو بتقرأه وقيسه على حياتك انت.. بما فيها كل الكلام اللي انت قريته فوق ده.