في عيد ميلاده.. رحلة في عالم “محمد أمين راضي”
كتب – عمر هشام
النهاردة 7 يونيو عيد ميلاد المؤلف والكاتب “محمد أمين راضي”.. وبالمناسبة دي حابين نتكلم شوية عن العالم اللي بيصنعه في أعماله.
محمد أمين راضي يعتبر واحد من أهم كتاب الدراما المعاصرين وعنده رؤية خاصة بيه بيعرضها وبيطورها في كل عمل من أعماله.. وغالبا في كل عمل هتلاقي تيمة وبصمة محدش بيقدمها غيره وبتعرف منها إن العمل ده من تأليفه.. ورغم إن أعماله تعتبر قليلة لكن كلها مميزة ومختلفة وحققت نجاح كبير جدا.. ورغم إن كل عمل منهم مختلف على المستوى الفني لكن كلهم بيشتركوا في الأفكار والتيمات والبصمة اللي بتشكّل عالم أمين راضي.. واللي تعتبر بصمة صعب جدا حد يقلدها أو حد غيره يقدمها.
في سنة 2013، ظهر محمد أمين راضي لأول مرة على الساحة الفنية من خلال مسلسل “نيران صديقة”. كان واضح من البداية إننا قدام مؤلف مش عادي، عنده رؤية إبداعية وأسلوب مختلف. حسينا كجمهور إننا بنشوف حاجة جديدة وبقينا مستنيين أعماله بفارغ الصبر.. ومحمد أمين راضي بقى معروف كواحد من صناع الدراما الغامضة والمثيرة.. وقدر يثبت نفسه بقوة.. “نيران صديقة” كان عمل مميز جدا واتقابل بآراء إيجابية جدا من النقاد والجمهور. والمسلسل نفسه كان مكتوب بحرفية عالية وفضل شادد الجمهور لحد آخر حلقة، وده بسبب أسلوبه في المزج بين الغموض والإثارة.. والقصة كانت هي البطل الحقيقي.. وشارك في المسلسل مجموعة كبيرة من النجوم زي منة شلبي وعمرو يوسف وكندة علوش ومحمد شاهين ورانيا يوسف وصبري فواز وسلوى خطاب ومحمد ممدوح، وكمان ظهر فيه لأول مرة التونسي ظافر العابدين في عمل مصري.
بعد نيران صديقة، محمد أمين راضي ماخدش وقت عشان يثبت نجاحه مرة تانية.. وفي مسلسله التاني “السبع وصايا” من بطولة رانيا يوسف وهنا شيحة وناهد السباعي ومحمد شاهين وصبري فواز وهيثم أحمد زكي وسوسن بدر وأحمد فؤاد سليم.. وقدر “السبع وصايا” يخلق حالة من الجدل بسبب كل الأفكار والقضايا اللي اتطرحت في المسلسل.. ونهايته اللي صدمت ناس كتير وماكنتش “مٌرضية” بالنسبالهم.. ورغم كده، اسمه بقى مرتبط بالأعمال الدرامية الغامضة اللي بتشد الجمهور من أول حلقة لآخر حلقة بأسلوبها المختلف.. ده غير إنه رجّع التوازن للدراما وخلّى القصة هي البطل والأساس مش الممثل، عكس الأسلوب اللي -للأسف- سائد في الدراما المصرية.. والممثلين اللي بيتكتبلهم ويتألفلهم أعمال مخصوص، بتطلع في الآخر رديئة وركيكة وباين إنها مكتوبة للممثل ده بعينه.
وبعد “نيران صديقة” و”السبع وصايا”، قدّم ملحمة درامية وهي “العهد.. الكلام المباح” اللي كان مفاجأة تالتة للجمهور.. مسلسل من أول حلقة لأخر حلقة مليان أفكار وإسقاطات وقضايا مهمة جدا.. وكالعادة البطل هو القصة والحكاية.. وبطولة المسلسل جماعية شارك فيها أسامي مهمة وكبيرة.
الثلاثية دي: “نيران صديقة.. السبع وصايا.. العهد” اللي تعاون فيهم راضي مع المخرج “خالد مرعي”.. كانوا أكبر إثبات ودليل إننا مش قدام مسلسلات عادية ولا مؤلف عادي، إحنا قدام “عالم مختلف” بيقدمه محمد أمين راضي في كل عمل من أعماله.
ومن التلفزيون للمنصات.. راضي تعاون مع المخرج “أحمد خالد موسى” في جزئين من مسلسل “مملكة إبليس” اللي كان -كالعادة- تجربة وقصة مختلفة.. لكن فيها نفس التيمة والبصمة المميزة اللي بيسيبها راضي في كل أعماله.
ولحد دلوقتي، محمد أمين راضي قدم حوالي 8 أعمال، آخرها كان “منورة بأهلها”.. مسلسل من 10 حلقات، وبتدور أحداثه حول جريمة قتل شاب في بيته، والنيابة بتحاول تكشف غموض الحادثة من خلال مجموعة صور.. وشارك في بطولته نجوم زي ليلى علوي وباسم سمرة وغادة عادل وسلوى خطاب ومحمد حاتم.. وقوة العمل خلّت المخرج يسري نصر الله يخوض تجربة الدراما التليفزيونية لأول مرة بعد ما تحمس لقصة المسلسل.
أعمال راضي طول الوقت فيها بناء مميز.. دايماً بتبدأ بحدث غامض زي القتيلة في “نيران صديقة” أو اختفاء جثة “سيد نفيسة” في “السبع وصايا” أو موت تحية في “أفراح القبة” أو قتل فتحي إبليس في “مملكة إبليس”.. الأحداث دي بتبقى مليانة غموض وحواليها شخصيات كتير.. وبعد كده بنفضل واحدة واحدة ومع مرور الحلقات بنتنقل ما بين الماضي والحاضر عشان نكتشف الأسرار.
محمد أمين راضي كمان بيحب يعتمد على السرد المتعدد.. يعني بيعرض نفس الحدث من وجهات نظر مختلفة للشخصيات.. وكل واحد منهم عنده رؤية خاصة للأحداث.. والنهاية في أعماله غالبًا بتبقى فيها جوانب فانتازية أو خيالية أو أسطورية أو حتى روحانية.. بتسيب المشاهد عنده أسئلة.. أحيانا أسئلته بيتجاوب عليها وأحيانا لأ.. يعني مثلا هتعرف إزاي “نهال” خرجت من “قبر الماضي” عايشة.. بس مش هتعرف جثة “سيد نفيسة” اختفت إزاي.. والأسلوب ده غالبا بيشد المتفرج لأنه في كل حلقة بيدي معلومات جديدة.. وفي كل حلقة برضه بيخلق أسئلة جديدة محتاجة إجابات.. والنمط ده بيتكرر في أعمال راضي حتى مع تغيير المخرجين.
في عالم محمد أمين راضي غالبا هتلاقي ماضي سوداوي.. محدش من الشخصيات عارف يتجنب الماضي ده أو يهرب منه أو ينساه أو حتى يتناساه.. الماضي في العالم ده عامل زي اللعنة اللي بتطارد كل الشخصيات وبتخليهم دايما في حالة من القلق والتوتر اللي بتنتقل للمشاهد بمرور الحلقات.. ومهما حاولوا يهربوا، الماضي بيطاردهم وبيأثر على كل تفصيلة في حياتهم.
والحياة كمان قاسية وظالمة.. الشخصيات غالبا بيتعاقبوا على ذنب عملوه.. حاجة كده زي “عقاب سيزيف”.. بيفضلوا شايلين الصخرة لحد قمة الجبل، ولما يوصلوا الصخرة تنزل تاني.. ويفضلوا في العقاب الأبدي ده.. ومش دايما العقاب مرتبط بأفعالهم الشريرة، لكنه جزء من وجودهم نفسه في الحياة.
وبالتبعية.. الشخصيات دايمًا مليانة بالشر.. محمد أمين راضي “أستاذ” في إنه يبرز شر الإنسان.. سواء كان راجل أو ست.. كل الناس عندها جوانب مظلمة وشريرة.. والشر ده ممكن يبقى جزء من وجدانهم وطبيعتهم وممكن يبقى باختيارهم.. والستات بالذات في أعماله غالبا أشرس من الرجالة وأقوى وأذكى منهم.. وبيقدروا يمارسوا الشر من غير أي رحمة.
ومع كل الشر ده.. دايما فيه لحظات صفاء.. لحظات هادية الشخصيات بياخدوا فيها نَفَسهم وانت بتاخد نَفَسك معاهم.. وسط كل العداء والحرب والكراهية.. بتيجي لحظات رقيقة يفتكر فيها الشخصيات أحداث وذكريات حلوة وينسوا لثواني القسوة والحرب اللي بينهم.
وطالما بنتكلم عن أعمال محمد أمين راضي.. فأكيد فيه خيال وفانتازيا.. وغالبا بيكونوا هم العنصر الأساسي في أعماله.. بيصنع عوالم خاصة بيه، ومش بالضرورة معتمد على أساطير قديمة، لكنه بيقدر يصنع أساطيره الخاصة.. عالم مليان خرافات.. خرافات الشخصيات بتعتمد عليها بشكل كبير.. وأحيانا بتخلقها لو مش موجودة.. الأخلاق نسبية.. المصالح بتحرك الناس.. المشاعر الإنسانية بتتغير.. والموت والحياة وجهين لعملة واحدة.
وطبعا أكتر حاجة بتميز أعمال محمد أمين راضي هي إن الحدوتة هي البطل.. ومفيش بطل فرد.. كل شخصية بطلة في حتتها وفيه شيء معين بيميزها وبتضيف حاجة مهمة للقصة.. والحوار من أكتر العناصر اللي بتميز كاتب زيه.. الحوار في العالم بتاعه حوار قوي وشعبي وجريء.. كل كلمة مهمة وكل جملة بتوضح حاجة معينة عن الزمان أو المكان أو الشخصيات أو الأحداث.
وفي النهاية.. تجربة محمد أمين راضي الدرامية ممكن تقبلها أو ترفضها.. ممكن تحبها أو تكرهها.. بس في جميع الحالات مش هتقدر تتجاهلها أو تنكر إنك قدام مؤلف شاطر ومختلف ومبدع وعنده بصمة مميزة بتاعته هو بس.