“ماتفوتنيش أنا وحدي”
- الكاتبة والصديقة العزيزة “أميرة سيد مكاوي” بنت الموسيقار العبقري عمنا “سيد مكاوي” الله يرحمه كتبت قصة عن موقف بينها وبين والدها.. بتقول: وأنا عندي 14 سنة كتبت قصة قصيرة بطلتها “شجرة” رحت لأمي وقريتها وعجبتها جداً أو هكذا قالت من باب التشجيع، خدتني من إيدي وراحت لأبويا قالت له “أميرة” كاتبه حاجة حلوة خليها تقراهالك.. بابا كان مشغول وقال لي: حاضر هسمعها.. ولإني كنت متحمسة شوية رحتله بعدها وما أخدتش بالي إنه مشغول وكمان متضايق لقيته بيقول لي: حاضر يعني هسمع أحمد شوقي يا خَي!.. زعلت جداً وجريت على أوضتي أعيط وقطعت الورقة، بعد ما أبويا راق جالي وقال لي: ها يا ست ميللو إقريلي كتبتي إيه.. قلت له: قطعتها!.. الصدمة إللي كانت في ملامحه مش ممكن أنساها وزعل جداً وإعتذر وطلب مني أكتب حاجة تانية، فضل شهور كل ما يتكلم مع حد يحكيله هو قد إيه عمل حاجة وحشة ويقول له: (البت أميرة كانت كاتبة حاجة وأنا مزاجي كان وحش وزعلتها وموتت فيها حاجة، ممكن تكون موهوبة فيها ومعرفش إزاي عملت كده).. كل شوية ييجي يسألني كتبتي حاجة جديدة وأجاوب لأ، ومرة في قعدتنا الخاصة اللي بيني وبينه، لقيته بيبوس راسي ويقول لي: (أنا آسف أنا مش عارف إزاي عملت كده؟ أنا نفسي عانيت من إن الناس كانت بتقولي مش هتعرف تلحن ولا تغني وأنت مش بتشوف ومش هتنجح، إزاي أعمل فيكي كده؟ أنا آسف).. أنا كنت بقول له: (خلاص يا بابا دي حاجة بسيطة وأكيد هكتب تاني).. فعلاً كتبت بعدها حاجات جزء منها اتكسفت أقراهاله وجزء قريتهوله علشان يتأكد إني رجعت أكتب تاني، لحد قبل ما يغيب من الدنيا بيومين من وقت الحدوتة دي وهو بيعتذر عن تصرفه!.. 11 سنة بيعتذرلي عن حاجة واحدة بس عملها ممكن تكون سببتلي إحباط!.. عم “سيد مكاوى” الله يرحمه فضل يعتذر لـ “أميرة” بنته عن غلطة صغيرة واحدة 11 سنة.. طيب ما بالك بقى باللي بيلغط ييجي 11 غلطة كبيرة على الأقل في السنة؟.
- كنت في إبتدائي في مدرسة خاصة طبيعتها مختلفة شوية.. كانت مدرسة راهبات بس بتضم طلبة مسلمين ومسيحيين عادي.. نوعية التعليم اللي بتاخده وطريقة تقديمه مع الإنضباط اللي كان فيها مع اليونيفورم المكوي بدون كسرة واحدة والجزمة اللي لازم تكون بدرجة لمعة معينة، والشعر المتسرح بنفس الإستايل لكل الولاد، وحاجات تانية كتير خلّوا مدرسة “السلام” هدف لأى أب وأم إنهم يدخلوا ولادهم فيها، ويبقوا من طلابها.. الجميل كمان إن المدرسة كانت قدام البيت مباشرة.. قدامه قدامه مش مبالغة.. بوابة المدرسة الرئيسية وسورها كله في مواجهة بيتنا، ورغم إننا كنا في الدور التاني في العمارة إلا إن بلكونة البيت كانت كاشفة الحوش كله!.. ده خلق نوع من الأمان عند أبويا وأمي، وشال مني أنا الخوف اللي بيكون في أى طفل لما بيدخل الحضانة لأول مرة!..إنت كإنك في البيت، وكتير أمي كانت بتطلع تشوفني في الفسحة!.. كبرت في المدرسة اللي أغلب الطلبة بيستمروا فيها من حضانة لإعدادي.. في 5 إبتدائي كان فيه رحلة شهرية ثابتة بتنظمها المدرسة لـ دار أيتام.. كل شهر بتطلع المدرسة كلها بكل فصولها الدراسية وبنقضي يوم مع أطفال دار أيتام كبيرة ومعروفة في الصعيد.. مع الوقت وتكرار نفس الرحلة كنّا بنزهق كأطفال.. نفس المكان وبنروح نشوف نفس الأطفال التانيين هناك.. طبعاً حسابات البُعد الإنساني لـ هدف المدرسة النبيل واللي عايزين يزرعوه فينا من الإحساس باليتيم ماكانتش في بالنا.. في مرة فيه طفل معانا في الفصل قال إن والده هينظم رحلة لـ مدينة ملاهي كانت لسه فاتحة جديد على أطراف المحافظة وإن والده قال له شوف لو حد من زمايلك يحب ييجي معانا عشان نبقى مجموعة.. طبعاً زميلي ده مجرد ما قال كده في الفصل كذا واحد من زمايلنا شبطوا في الموضوع وراحوا كلموا أبهاتهم.. بقى العدد 6 تلاميذ مع 6 أولياء أمور هيروحوا رحلة للملاهي يوم الخميس الجاي!.. كل أسرة هتروح بعربيتهم.. اتكلمت مع أبويا الله يرحمه وطلبت منه أروح الرحلة دي، وعشان عارف إنه عنده شغل قلت له إني ممكن أروح مع حد منهم لوحدي عادي.. رفض المبدأ من الأساس وكانت حجته إن الصيف خلاص داخل علينا كمان شهر ونصف وكده كده هنسافر إسكندرية ده غير إنه هيكون قلقان عليا.. اتضايقت وكنت منتظر منه إستيعاب أكبر من كده خصوصاً إن التحصيل الدراسي ونتايج إمتحانات الشهر كانت في صالحي.. حاولت معاه كذا مرة وفي كل مرة كان عِنده بيزيد ومش بيجاوب إجابات تقنعني!.. طيب.. كان أول قرار أخدته من ورا البيت وأول وتقريباً آخر كدبة أكدبها علي أبويا!.. أنا هروح الرحلة مع زميلي وأبوه ومش هقول في البيت وهغيب عن المدرسة فى اليوم ده بس هروح بالزي المدرسي عشان محدش فى البيت يعرف حاجة.. حصل فعلاً ورحت معاهم وقضينا اليوم، وكان فى قمة المتعة.. لما جه ميعاد المرواح من المدرسة طبعاً والدتي لقت إنى إتأخرت فإتصلت بأبويا فى الشغل.. (الواد ماجاش من المدرسة وكل العيال خرجت).. رجع أبويا من الشغل بسرعة، وهو مش عارف يعمل إيه.. إحنا بنتكلم عن وقت ماكنش فيه موبايلات ولا غيره بالتالي أسهل طريق للتواصل هى التليفون الأرضي أو الزيارة المباشرة.. راح أبويا لـ بيت كذا حد من زمايلي عشان يسأل عني وأخد وقت عشان يوصل لـ طفل من اللى راحوا الرحلة لأن “تامر” بالنسبة لكل اللى فى الفصل كان غايب فى اليوم ده بالذات، ومش هيعرف أنا فين غير اللي كانوا معايا فعلاً.. على الناحية التانية كنت أنا راجع مع زميلي وأبوه.. قبل مدخل المحافظة كان فيه طريق من إتنين.. يا يمين يا شمال.. بيت زميلي فى الطرف الشرقي للمحافظة وإحنا فى الغربي.. فعشان يروح يوصلني للبيت ويرجع تاني هياخد وقت.. أبو زميلي سألني: (الموقف بتاع العربيات الأجرة هناك أهو، لو نزلتك هنا فى الموقف هتعرف ترجع لوحدك؟).. رديت وأنا الرجولة والإعتماد على النفس جايبين آخرهم معايا: (أيوا يا عمو).. سأل: (متأكد؟).. رديت: (آه ماتخافش).. نزلني فى الموقف، وبعد ما مشي إكتشفت إن مش معايا فلوس، وكمان مفيش عربيات أساساً رايحة لمكان قريب لكن كلهم رايحين مناطق وحتت تانية!.. قعدت على الرصيف وعيطت.. 3 ساعات!.. كان فى الوقت ده أبويا الله يرحمه لقط طرف الخيط وعرف اللى حصل من حد من زمايلي، وكان فى طريقه لـ الملاهي رغم إن الوقت أصلاً بقي متأخر.. عشان يوصل للملاهي لازم يروح الموقف ويركب من هناك.. وصل الموقف ونزل من العربية وراح عشان يشوف العربيات فشافني على الرصيف قاعد بعيط.. قرب مني وأنا أخدت بالي إنه جه فحسيت إن ربنا أنقذني من الموت.. جريت عليه وأنا مش مصدق.. أول ما بقيت على مسافة قريبة منه إيده تطولني فيها؛ سكعني قلم سخن محترم رج روحي قبل خدي.. عياطي زاد.. مسك كتفي بعنف وقال لى كلام يجرح القلب قبل السمع.. (عاجبك كده؟.. عارف أمك عاملة إزاى دلوقتي؟.. أنا مش قولتلك لأ؟.. قدرت تكدب عليا؟).. حاولت أشرح له إن أبو زميلي عرض إنه يوصلني وأنا اللى رفضت.. قال: (هو لو كويس ماكنش ساب عيل فى سنك والوقت ده لوحده).. رديت بِعند: (أنا مش عيل).. بص بصة خلّتنى بلعت لساني وسكتت.. مسكني من إيدي وبدأ يشوف أى عربية تروحنا.. مالقيناش!.. قال لى: (عاجبك).. ماردتش.. قعد على الرصيف!.. قعدت جنبه.. قال لى: (يارب تكون مبسوط).. ماقدرتش أمسك دموعي.. سابني بدون أى تعليق.. شوية وقال: (ماتزعلش).. الكلمة كانت مفاجأة ومش فى وقتها ولا الطبيعي إني أسمعها منه هو!.. سألته: (إيه؟).. رد: (عشان لو كنت وافقت إنك تروح الرحلة أو أقنعتك إن ليه لأ ماكنش ده كله هيحصل، فماتزعلش، أنا آسف).. الكلمة كانت كبيرة ووقعها تقيل على نفسي وسمعي.. قلت: (أنا اللى آسف يا بابا).. رد: ( خلاص يبقى إحنا الإتنين آسفين).. سألني: (والملاهي الجديدة حلوة على كده؟).. رديت بحماس: (أيوا دى فيها كذا كذا كذا).. سمعني بمنتهى الإنصات وكان متجاوب معايا وهو بيسمع ، وخلاّني نسيت إن كان فيه مشكلة أساساً.. الكلام جاب كلام والضحك جاب ضحك وفجأة أبويا كشر وقال: (المهم إنك طيرت عليا الشغل بتاع بكره عشان السهر وهضطر أغيب).. بصيت فى الأرض وأنا بقول لنفسي ماخلاص يا عم ما إحنا إتصافينا وإعتذرنا بقى!.. سكت شوية وقال: (نبقي ناخد أمك وأخوك ونروح بكره كلنا نشوف إيه موضوع الملاهي دي).. أنا دايماً بشوف أبويا الله يرحمه كبير.. كبير فى ردود أفعاله أو فى تعامله مع الناس اللى أكبر أو أصغر منه.. بس بعد الموقف ده شوفته أكبر بكتير، وأخدت عهد على نفسي من وقتها إنى ماكسرش له كلمة ولا أعمل حاجة من وراه وإن خاطره يبقي على راسي وإتعلمت منه أقول “أنا آسف”.
– كلمة “أنا آسف” بتدوب جبل التلج فى كتير من المواقف اللى مش بتكون محتاجة أكتر من الكلمة دي عشان تهدا.. الإعتذار عن أى غلط بيكبر قيمة المعتذر.. ده فى حالة الخطأ فعلاً، وبيكبره أكتر فى حالة إنه ماكنش غلطان وبيعمل كده عشان مايكسرش اللى قدامه.. تعليق المشنقة لأى حد سهل خصوصاً لما يكون الأمر متعلق بالتربية.. إنت ممكن تعمل الإتنين.. تضرب وتطبطب.. الإتنين هيسيبوا أثر ومش هيتنسوا.. لا العقاب ولا الحنية.. الأب والأم مش معصومين من الغلط.. وقتها إعتذارهم لولادهم مش عيبة ولا سبة ولا بتنقص منهم.. بالعكس.. صحوبية الطفل مع أمه أو أبوه بتختصر سكك فى فروق الأجيال وبتخلّى مساحة الحوار بينهم سامحة بأى تعديل لو هما عايزين يضيفوه على شخصيته وفى تربيته.. أومال نقول إيه فى اللى بيتعاملوا مع قصص حب ولادهم المراهقين كإنهم مراهقين زيهم وبيفكروا معاهم فى خطط وحركات عشان يوصلوا للبنت أو الولد اللى بيحبوه!.. وهو ده ينفع؟.. طبعاً.. للحكاية حكاية وتلك حكاية أخري.