“ما حدث في نادي التجاريين”
- “هند” بنت الفنان الجميل “سعيد صالح” الله يرحمه كتبت عن علاقتها معاه، وإزاى إنه كان أب مختلف بجد.. بتقول “هند” بالنص: (عشت مع “سعيد صالح” الله يرحمه 30 سنة في بيت واحد.. ولغاية ما اتجوزت وخرجت من بيته، مافتكرش إنه في الـ 30 سنة دول إتعصب عليا ولا زعقلي ولا زعل مني وخاصمني .. أول ما تميت ١٨ سنة، كنت فرحانة أوي إني بقيت مادموزيل، وهطلع رخصة، وهجيب عربية جديدة.. كبسني هو وجابلي عربية 127 أتعلم عليها الأول.. إتعلمت وبقيت قردة في السواقة، وفضلت بيها حوالي سنتين.. عربية جديدة بقى ورحمة أبوك يا شيخ.. قالي: حاضر.. إنتي كنتي قد المسئولية، وماعملتيش مشاكل بالعربية هجيبلك حاجة زيرو.. وجاب فعلاً.. مفيش يومين، وعملت حادثة محترمة، إتخرم فيها الرادياتير بلا رجعة.. أول مرة أخيب ظنه، ومش عارفة أعمل إيه!.. دخلت قولت لماما: إلحقيني أنا خبطت العربية جامد عند الكبوت، والرادياتير راح خلاص في الوبا مع هنادي، أعمل إيه؟، مش عايزاه يزعل مني ويقلب، ويقولي الناس هتقول بنت “سعيد صالح” ماشية بتخبط يمين وشمال ماهو طبعا أبوها اللي جايبها لها.. ماما قامت بدور الأم على أكمل وجه، ودخلت تتكلم معاه وقال له: “سعيد”.. أنا عربيتي مكانش فيها بنزين، وكنت مستعجلة.. نزلت بعربية “هند”، وعملت بيها حادثة، والرادياتير مش هتقومله قومة تاني.. أنا مش عايزة ازعلها، ومش عارفة أعمل إيه؟، دي لسة جديدة وفرحانة بيها والغلطة غلطتي.. بابا قالها إنه هيتصرف.. دخل لي الأوضة وقال لى: “هند”.. رديت: نعم يا بابا يا حبيبي.. قال: أنا عربيتي مكانش فيها بنزين، وماما مكانتش موجودة، وكان في مشوار مهم لازم أعمله، فأخدت عربيتك بس أنا آسف والله أنا آسف جداً خبطتها من قدام والرادياتير باظ، معلش اعذريني.. أنا متعود على العربيات الكبيرة، وأنتي عربيتك صغيرة، ماكونتش متعود على أبعادها.. بس ماتقلقيش أبداً.. هصلحها لك بكرة الصبح إن شاء الله.. شوفتوا اللفة اللى عملها!.. طب ده يتعمل معاه إيه والنبي؟.
- كان والدي الله يرحمه متعود ياخدني أنا وأمي وأخويا لـ (نادي التجاريين).. نادي إجتماعي بسيط موجود في الصعيد وأنشطته محدودة مش أكتر من الجنينة الصغيرة وقعدة النيل على الكراسي الخشب والبوفيه اللي بيقدم نوعين من الساندوتشات والمشروبات السخنة فقط!.. كان المكان ده هو الفسحة الوحيدة المتاحة لأسرتنا كل خميس.. خصوصاً مع شغل والدي اللي كان واخد كل أيام الأسبوع ماعدا مساء الخميس بس.. لكن في الأسبوع ده بالذات كانت أجازته خميس وجمعة، وده معناه إن فيه خروجتين واحدة النهاردة والتانية بكره.. ودى كانت من المرات القليلة اللي يحصل فيها الأوبشن ده.. في وسط الجري ولعب العيال اللي في نفس السن كنت بلعب أنا وأخويا وبنجري ورا بعض وأنا ماسك في إيدي علبة عصير جايبنها معانا من البيت.. غصب عني اتشنكلت وخبطت في واحد كبير في السن قاعد هو وأسرته على ترابيزة والعصير اللي معايا إتكب على بنطلونه وهو نفسه كان ماسك سيجارة في إيده وقعت مع قوة إندفاعي ووقوعي عليه على بنطلونه!.. حادثة سريعة ماخدتش أكتر من ثواني بس كان من نتايجها إن بنطلون الراجل اتوسخ بالعصير، واتخرم خرم صغير مكان لسعة السيجارة بتاعته اللي أنا كنت سبب غير مباشر فيها.. للحظة كان الراجل هيقوم يهب وينفعل بس لما بص لـ سن اللي قدامه مسك نفسه واكتفى بكام كلمة تعبر عن غيظه.. بس ولإن النادي مساحته محدودة كان الموقف كله على مرمى بصر والدي اللي مجرد ما حصل جه عشان يحاول يصلح الأمور.. (معلش أنا آسف شوف اللي حضرتك عايزه وإحنا تحت أمرك) قالها والدي.. رد الراجل: (مفيش حاجة، حصل خير عيال ولما كنا في سنهم عملنا أكتر من كده، ربنا يخليهولك).. كان ممكن الموضوع يتلم بكلمة الراجل، وأساساً أنا ماكبتش عليه مية نار يعنى!؛ بس اللي كان في عين والدي كان بيقول غير كده.. بدون ولا كلمة أخدني للترابيزة بتاعتنا وقعدنا مع أمي أنا وأخويا وخرج هو من النادي لمدة ساعة أو أقل شوية ورجع وهو جايب بنطلون تاني جديد للراجل!.. الموقف كان عبثي من كل زاوية.. عرف المقاس إزاى؟.. الراجل نفسه هيقبل ولا لأ؟.. إيه لزمة الحركة أساساً ما هو الراجل حط الموقف في حجمه الطبيعي كغلطة عيل والأمور عدت يعني!.. بعد إصرار من الراجل على رفض هدية والدي الإلزامية، وإصرار والدي نفسه على إنه ياخدها حصل اللي هو كان عايزه، وإداله كمان فاتورة الشراء اللي ممكن لو المقاس أو اللون أو الموديل مش عاجبه يقدر يروح بيها للمحل ويبدله!.. تمام هو حر.. لما رجع قعد معانا بدأت الأمور تتضح.. ثمن البنطلون اللي جابه للراجل هي نفس فلوس خروجة بكره بتاعت السينما اللي كنّا موعودين بيها + ثمن الـ 9 كتب اللي كان متعود يجيبهم ليا كل شهرين!.. طبعاً العياط والدبدبة العيالي على الأرض ولا جابوا أى نتيجة معاه.. (إنت مش غلطت؟، كل غلطة ليها ثمن).. (أيوا يا بابا ما هو الثمن إنى إعتذرت).. يقول: (لأ الإعتذار ده كلمة لازم تكون مربوطة بـ دليل، وثمن.. “الدليل” الزمن بيثبته وهو إن نفس الحاجة ماتتكررش تاني، و”الثمن” بيتدفع لحظي).. حتي لما أمي حاولت تخلّيه يتراجع كان رده: (الموضوع إنتهى خلاص، إن ماكنش هيتربى ويعرف ده في السن ده؛ هيعرفه إمتى!، هنربيه لما شنبه يطلع!).. على قد غلاسة الموقف بالنسبالي في وقتها ورؤيتي ليه إن فيه قسوة غير مبررة وظلم ملوش داعي خصوصاً إن كان ممكن الرسالة توصل بشكل أبسط من كده؛ على قد تقديري اللي بيزيد لـ والدي الله يرحمه كل ما الزمن بيعدي على درسه.. بسبب الموقف ده ومن وقتها وبقي في الواحد نغزة بعد كل غلطة بيعملها إنه لازم يكفر عنها بـ حاجتين: “الدليل”، و”الثمن”.. اكتشفت مع الوقت إن ده بيحفظ إحترامك لنفسك وإحترام غيرك ليك.
- فيه ناس وجعها فلوس.. وفيه ناس وجعها حرمان من حاجة بيحبوها.. واللي بيخاف يتوجع أو يخسر بياخد باله من تصرفاته.. عشان كده مش بيعلم ولا يربي إلا شوية الوجع.. مفيش ضرر من “شوية” شدة في التربية.. مش شدة ولا قسوة في المطلق أكيد.. بس في نفس الوقت مش الدلع اللي متساب له الحبل على الغارب.. الشدة هي اللي بتطلع عيل فاهم يعنى إيه كلمة مسؤولية مش كائنات مشوهة بكره وبعده تضر نفسها وغيرها.. أول مثل أعلى لأى طفل هو أبوه، وأول فتى أحلام لـ أى بنت هو أبوها.. إبنك مختاركش؛ فحاول تخليك حظه الحلو في الدنيا اللي مايندمش عليه إنه كان من نصيبه.. الوصول لده مش هيكون غير بالشدة المحسوبة والحنية اللي ليها وقت والتوازن بين العقاب والثواب.. وحتى في الإعتذار ليهم.. لحظة هو فيه أبهات بتعتذر؟.. ينفع أصلاً؟.. طبعاً ده لازم الأب يعتذر!.. لكن وعلى رأي أ.”محمد حسنين هيكل”: (للحكاية حكاية وتلك حكاية أخري).