“أنا قادم أيها الضوء”.. اعرف مين الصحفي الراحل محمد أبو الغيط
«سيري ببطءٍ، يا حياةُ، لكي أَراك
بِكامل النُقْصَان حولي. كم نسيتُكِ في
خضمِّكِ باحثاً عنِّي وعنكِ. وكُلَّما أدركتُ
سرّاً منك قُلْتِ بقسوةٍ: ما أَجهلَكْ!»
- محمود درويش
النهاردة الصبح رحل عن عالمنا الصحفي والكاتب محمد أبو الغيط عن عمر 34 سنة بعد رحلة صراع طويلة مع مرض السرطان.. وكان خبر وفاته صدمة لكل الناس اللي بيحبوه سواء كانوا يعرفوه بشكل شخصي أو ميعرفهوش.
محمد أبو الغيط هو شاب مصري من محافظة أسيوط درس الطب واتخرج وسافر القاهرة اشتغل طبيب ولكن ساب مجال الطب واختار الكتابة والصحافة واتخصص في الصحافة الاستقصائية وحصل على تكريمات كتير كان آخرها تكريم حفل ختام منتدى مصر للإعلام.
الدكتور محمد أبو الغيط بدأ رحلته الصحفية في يونيو 2011، واتنقل بين أدوار كتير، كل دور منهم كان مؤثر فيه بشكل مبدع، كاتب رائع، ومعد برامج مختلف، وصحفي استقصائي نادر.
وفي رحلته الصحفية، أبو الغيط كان من أبرز الصحفيين خصوصا في الصحافة الاستقصائية بالذات لأنه عمل تحقيقات صحفية مميزة جدا زي تحقيقات عن الفساد وتتبع الأموال وانتهاكات حقوق الإنسان وعن قضايا تجارة السلاح الدولية وعن الجماعات المتطرفة، وغير كده كمان محمد أبو الغيط اشتغل مذيع راديو ودخل مجال الإنتاج التلفزيوني لقنوات كتير سواء كانت عربية أو أجنبية.
من أيام في ختام منتدى مصر للإعلام في دورته الأولى اتكرم محمد أبو الغيط على إسهاماته الكتير في المجال الصحفي وبعت فيديو للمنتدى اتكلم فيه عن أهمية الصحافة وقال إنها بتمثل الواقع وقال كمان في الفيديو “تكريم خاص جدا بالنسبة لي، لأنه بيحمل اسم مصر الحبيبة، وعلى أرضها، وقبل شهر واحد كنت أنوي جديا الحضور عشان أحس بدفء المشاعر المتبادلة بيننا، لكن هاجمني المرض الخبيث بتدهور جديد”.
وقال كمان: “لا أعتبر نفسي بمقام الوصيّ أو الواصي، لكن أود مشاركتكم بعض من النصائح من واقع تجربتي، والتي بدا لنا لوقت طويل بأنها مملة ومكررة؛ لكن الواقع أثبت لي العكس، وأولها أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، فحافظوا عليها، واستمعوا جيدا لصوت أجسادكم، فلا تتركوها ضحية لأمراض العظام والتوتر”.
وطلب من الحاضرين في الأخر الدعاء له عشان يتجاوز أزمته الحالية، عشان يبقي بينهم في الدورات الجاية من المنتدى.
محمد أبو الغيط حصل كمان على جائزة هيكل في تحقيقاته الاستقصائية عن قضايا سوريا واليمن في سبتمبر 2021، ووقتها بعت فيديو وقال فيه إنه اتشرف باختياره الفائز بالجائزة عشان هي جائزة مصرية وعشان مرتبطة بالاستاذ هيكل الله يرحمه وعشان سبب شخصي كمان إنها جت في اللحظات اللي بيمر بيها بأزمات صحية وماتقلش أهمية الدعم المعنوي عن العلاج والأدوية.
أبو الغيط ختم رحلته بكتابات ومدونات صادقة جدا ومن القلب عن مرضه، في محاولة منه إنه ينتصر على المرض الخبيث ولو حتى من باب التوثيق، وشارك أغلب الكتابات والمدونات دي على صفحته الشخصية على الفيسبوك، كان خايف إن تجربة مرضه تضيع وتنتهي من غير ما يسجلها ويوثقها، فأهدى للناس كلها كتابات كلها أمل ومعلومات ومشاعر وأدب.
محمد أبو الغيط أصدر كتاب بعنوان “أنا قادم أيها الضوء”، لكن المرض تغلب عليه قبل حتى ما يتم نشر الكتاب.
ونشرت دار الشروق فصل من كتابه بعنوان “لماذا أكتب؟”، وبدء الفصل:
أكتب لأن الكتابة هي أثري في الحياة، هي أهراماتي الخاصة، فإلى متى ستبقى منتصبة من بعدي؟.. الكتابة هي محاولتي لمغالبة الزمن والموت بأن يبقى اسمي أطول من عدد سنوات حياتي التافهة مقارنة بعمر الكون الشاسع المقدر حاليا بـ 14 مليار سنة.
أعرف أني مهما عشت فإن حياتي، والعالم كله، كذرة غبار لا تُرى على شاطئ ذلك الكون الفسيح. لكن الكتابة قد تجعل ذرتي ألمع بين باقي الذرات على الأقل.. هذه صيحتي: محمد أبو الغيط مرَّ من هنا!».
بننعي الدكتور الكاتب الصحفي الكبير “محمد أبو الغيط” وبنعزي أسرته الصغيرة، إسراء زوجته ويحيى ابنه، وعائلته الأكبر، اللي بتبدأ في أسيوط ومابتنتهيش في لندن، مكان وفاته، بنعزي صحابه وزمايله وكل حبايبه، وكل القلوب اللي اتوجعت على فراقه على اختلاف أماكنهم في العالم.
«قُلْ للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرتُ… لأُكْملَكْ!»
– محمود درويش