في ذكرى ميلاد “بهاء طاهر” مراجعه لروايته “الحب في المنفى”

كتب: عمر عزت

 

بمناسبة ذكرى ميلاد “بهاء طاهر” حبينا نعمل ريفيو عن واحدة من أفضل الروايات اللي قدمها لنا.. اتنشرت سنة 1995 وخدت جائزة أفضل رواية في نفس السنة 

الكاتب في الرواية بيتناول حاجتين وهما الحب والظلم.. من ناحية الحب فا هو جزء كان في بلده عادي وجزء تاني كان في الغربة وبالنسبة للحب بيشوفه التقاء روحين مش جسدين لأن الأجساد ممكن تتفرق وتبعد عن بعضها لكن الأرواح لو تلاقت مش هتتفرق وهتفضل بتحب بعضها.. كمان الحب بالنسباله مش بين راجل وست بس لكن بين كل الناس عادي وبيوضح ده مع كل الشخصيات اللي بيقابلها ويحبها

ومن ناحية الظلم بيتكلم عن الظلم اللي بيحصل سواء اجتماعيا أو سياسيا وكمان الظلم بشكل عالمي اللي بيحصل خاصة في فلسطين ولبنان.. وقدر يوصل ده من خلال شخصيات هتحسها حقيقية وعاشت الحالة أو الوضع اللي بيحكي فيه.. الرواية فيها جوانب كتير ومن أهمها هو “الهزيمة” اللي بيتعرضلها أبطال الرواية وكمان “الهدوء” اللي بيقابلوا بيه المشاكل اللي بتواجههم وكمان أخيرًا “الحب” اللي هتحسه حاجة جانبية ولكنه تناوله بشكل كامل وكويس جدا.. فتعالوا نحاول نراجعها

“كنت قاهريا طردته مدينته للغربة في الشمال وكانت هى مثلي.. أجنبية في ذلك

البلد.. لكنها أوروبية وبجواز سفرها تعتبر أوروبا كلها مدينتها.. ولما التقينا

بالمصادفة في تلك المدينة (ن) التي قيدني فيها العمل.. صرنا صديقين.”

في بداية الحدوتة بيعرفنا الكاتب على مكانه اللي خرج له بعد ما ساب بلده أو اتنفى منها ولكن النفي مجازي مش واضح هل هو اتنفى بفعل فاعل ولا هو نفى نفسه عشان يقدر يعمل حاجة معينة أو الحياة والمجتمع هم اللي ساهموا في نفيه وبيبدأ يكلمنا عن أحد محاور أو شخصيات القصة اللي قابلها في مدينة سماها (ن) واللي قال إنها صاحبته

وبيعرفنا بعد كده بمراته اللي اسمها “منار” ويصور العلاقة الحميمية بينهم ويشرح تفاصيل أسرتها والتقاليد بتاعتهم من أيام الخطوبة لحد بعد ما اتجوزوا وبيبدأ يتناول الخلافات الزوجية ومشاكلها اللي بتبدأ بعد ما يسيب منصب نائب رئيس التحرير وبيبدأ يتكلم في الخلافات دي مش منظور علاقته بمراته بس ولكن العلاقات الزوجية في المجتمع كله

“ثم بدأت تحدثني عن مشاكلها في البيت: يلحون عليها أن تتزوج ويعرضونها على

الخطاب كما لو كانت سلعة، لن تتزوج هي أبدا بهذه الطريقة، ستختار بنفسها.

لماذا يكون الاختيار من حق الرجل وحده ؟.. أخافني كلامها.. قلت لنفسي لن تكون

صريحة معي إلى هذا الحد لو كنت أنا الذى اختارته.. ولكني حاولت وتقدمت.

وقالت لي وهي تضحك ونحن نمشي بيدين متشابكتين فى طريق الكورنيش: ماما قالت ألم تجدي غير هذا الصحفى المفلس؟ تتركين من أجله الضابط والدكتور!”

وهنا اتكلم عن مشكلة بتقابل شباب كتير إنه مش جاهز 100% أو يمكن مش عنده القدرة يتقدم لبنت وقلة الثقة إن هي ممكن تختاره برغم حالته وبرضه في نفس الوقت البنت وإزاي صممت إنها هي اللي تختار وتتكلم في البيت وده كان حل إن ممكن البنت ترفض عادي وتختار بنفسها الشخص اللي هي عايزاه 

كانت بريجيت تلبس زيا أزرق من قطعتين كمضيفات الطيران وحول رقبتها إيشارب

وردى اللون، وقالت تخاطبنا وهى تجلس بين مولر والرجل الآخر وتبتسم بشىء

من الارتباك : ستسامحوننى إذا أبطأت لأن هذه أول مرة أعمل فيها مترجمة .

وكانت كل العيون الصحفية مثبتة عليها لأنها كانت جميلة جدا وقال أحد الصحفيين :

سنسامحك بكل سرور. من فضلك خذي كل الوقت.

بعد بيعرفنا على شخصية من محاور القصة وهي “بريجيكت شيفر” اللي بتشتغل مع دكتور اسمه “مولر” وعشان الكاتب بيربط بشكل قوي جدا بين الشخصيات اللي كاتبها فكانت بريجيكت شبهه جدا في طفولتها وتأملاتها النفسية والاجتماعية كمان وشوية كان الراوي بيتكلم بلسانها وشوية يخليها هي تتكلم عن نفسها وده حصل في الفصل التالت اللي بعنوان “هذا المساء أريد أن أتكلم”

وبتكمل بعدها حكايتها مع طفولتها والشخص اللي حبته في الجامعة وفشل أبوها وكمان جوزها وعلاقتهم اللي اتدمرت بسبب حدث معين نقدر نشوفه في الحدوتة عشان مانحرقهوش

“قال إبراهيم محرجا بعض الشيء: نعم أنا بالطبع سمعت بما حدث بينك وبين منار.. تجنبت أن أذكر شيئا حتى الآن لكي لا أبعت ذكريات سيئة ولكنني حزنت كثيرا عندما سمعت مسألة الطلاق”

إبراهيم شخصية مهمة وتعتبر تاني أهم شخصية بعد شحصية الراوي اللي هو صديقه ولكن ما كانش أحسن حاجة وده تأثرا بأبوه اللي كان إقطاعي وبيتضطهد الفلاحين وبعد شوية تم اعتقاله لكنه لما خرج ونال نفس مصير صاحبه.. شخصيته مهمة عشان مرتبطة بأشخاص كتير في القصة وبتدور بينهم حوارات متنوعة ومهمة وكمان بتظهر أكتر في الفجوة بين إنه عايز يهرب من تأثير أبوه اللي هيفضل يطارده طول حياته وإنه مش عارف يعمل ده 

“أعرف أنك منذ مدة كففت عن أن تقرأ ماكبث أو غيرها. لم تعد تقرأ غير الكتب التي تثبت لك أنك على حق وأن كل الآخرين على خطأ. ولكن احذر يا خالد!.. احذر لأن كل الشرور التي عرفتها في الدنيا خرجت من هذا الكهف المعتم. تبدأ فكرة وتنتهي شرا: أنا على حق ورأيي هو الأفضل. أنا الأفضل إذن فالآخرون على ضلال. أنا الأفضل لأني شعب الله المختار والآخرون أغيار. الأفضل لأني من أبناء الرب المغفورة خطاياهم والآخرون هراطقة. الأفضل لأني شيعي والآخرون سنة أو لأني سني والآخرون شيعة. الأفضل لأني أبيض والآخرون ملونون أو لأني تقدمي والآخرون رجعيون. وهكذا إلي ما لا نهاية. انظر يا خالد إلي ما يدور في الدنيا الآن. انظر إلي تلك الحرب التي لاتريد أن تنتهي بين العراق وإيران وكل طرف فيها علي حق ومفاتيح الجنة تُوزع دون حساب والدم ينزف دون حساب. انظر إلي تلك المجزرة في لبنان وشعب الله المختار يستأصل شعبا غير مختار ويقول قائد جيشه “العربي الجيد هو العربي الميت”!.. كل ذلك القتل لأن القاتل دائما هو الأفضل، هو الأرقي، وعجلة المجازر تدور طوال الوقت لتستأصل الآخرين، الأغيار، أعداء الرب، أعداء العقيدة الصحيحة، أعداء الجنس الأبيض، أعداء التقدم.. الأعداء دائما وإلي ما لا نهاية. مع أنه لا توجد في العالم حرب شريفة غير تلك التي تدافع فيها عن بيتك أو عن أهلك أو عن أرضك وكل حرب غيرها فهي قتل جبان”

خالد هو ابن البطل وأحد شخصيات الحدوته المهمة وبيمثل فيها جزء فقدان التواصل بين الأجيال وبيمثل طبعًا مأساة من المآسي اللي بيقابلها الراوي اللي هو أبوه وكمان غالبًا بيرمي على الأجيال اللي بتكون جديدة والفجوات اللي بتحصل بينهم وبين الأجيال القديمة في التواصل والتفاهم وغيرهم

عندنا شخصيات وأحداث مهمة كتير في القصة وفيه بينهم ترابط سلس دايمًا وبين كل فصل وفصل مش هتلاقي الكاتب بيلغي شخصية معينة بالعكس كل شخصية بتبدأ الحدوتة بتكمل معانا لللآخر وبيكون ليها رمزية معينة أو حاجة بتجسدها عشان الكاتب يوصل بيها رسالة أو يناقشها أو يطرحها مع الأشخاص الموجودة بحيث إنه يوصل حاجات من المجتمع شايفها من خلال التنويع في كل شخصية وإزاي بتتعامل مع الحاجات دي

ومن أهم الأحداث اللي تناولها الكاتب كانت مجزرة “ًصبرا وشاتيلا”

“إسرائيل احتلت بيروت الغربية يوم الأربعاء فلم تواجه أي مقاومة تقريبا.. لم يكن قد بقي أحد ليدافع عن المخيمات بعد نفي الفدائيين، ولكنها حاصرت صبرا وشاتيلا من جميع الجوانب بالدبابات والمدفعية.. ومنذ صباح الخميس أول أيام المجزرة بدأت تقصف بيوت المخيمين بالمدافع فسقط الكثير من القتلى والجرحي”

وحاول الكاتب ينقل الحكاية على لسان صحفي يهودي أمريكي اسمه “رالف” وبينقل الحكاية كأنه حاضر المشهد بعينه وشايف المجزرة واسترسل في الوصف

“لو أني فقط أتلاشى!”

“لماذا يمر الزمن دون أن يترك في النفس علامة؟ دون أن يقول هنا تتوقف عن الحب وهنا تترك الأمل وهنا تكف عن التفكير ؟”

“من يتحمل هذه الدنيا؟.. من يتحمل غطرسة المتكبرين والطغاة والأمراء وآلام الحب المخذول والانتظار الطويل واستحالة العدل وهزيمة الرقة أمام الوحشية وكل تلك الأنانية وكل ذلك الظلم.. من يتحمل هذه الدنيا؟”

“أنتِ لا تريدين شيئاً غير أن يتركك العالم وأنا لا أريد شيئًا غير أن تكوني أنتِ هذا العالم”

في النهاية الرواية مهمة جدا اتكلم فيها الروائي الكبير “بهاء طاهر” عن الانتهاكات لحقوق الإنسان في كل العالم والجرائم الوحشية والظلم اللي بيتعرضله كل الناس حول العالم.. وبعد ما بيناقش أزمات شخصية سواء عاطفية أو مهنية أو حتى مجتمعية والصراعات اللي بتواجهه في كل جانب من الجوانب بيسيب خيال القارئ يتسائل وتختلط مشاعره بكل اللي حصل فيها وكل الشخصيات ويمكن دي قصة حياة الإنسان من وقت ولادته لحد ما يموت.. بيشوف الحياة ويتسائل ويحس أوقات إنه وصل لحل ولكن بيتوه ويرجع يتسائل تاني عن حاجات كتير.. ولكن مافيش اختلاف إنها عملت مزج جامد وقوي بين الشخصيات والأحداث وطلعلنا الكاتب الكبير بعمل إنساني عميق يخليك تتأمل كتير وتتسائل أكتر.. وخلونا نختم باقتباس من الرواية وهو

“اتكلم طوال الوقت , ولكن مع نفسي , في راسي حوار لا ينقطع”

Related Articles

Back to top button