“حب من طرف ثالث”
- من أكتر من 25 سنة كنت مشترك في الصيف في نشاط في جميعة تابعة لقصر الثقافة في المحافظة اللي كنت فيها.. طبيعة النشاط هو : المكتبة و المسرح.. أنا كنت بحب القراية جداً فكنت مبسوط من موضوع المكتبة ده بس في نفس الوقت ماكنش ليا في المسرح ولا غيره!.. بس الفكرة إن الحرية اللى كان مسموح بيها لكل مشترك إنه يروح إيه ويسيب إيه مابقتش متاحة فى أجازة من الأجازات.. كنّا بنشترك فى الإتنين لأنهم مرتبطين ببعض لكن مش شرط تروح الإتنين وممكن تختار واحد منهم بس.. لكن ده إتلغي وبقي لازم تشارك فى الإتنين.. بس بسبب كراهيتي للمسرح إستغليت إن مشرفة الجمعية صديقة لـ أمي وعملتلي إستثناء من الموضوع ده وبقيت فى المكتبة بس.. كان فيه بنت إسمها “نهي” عضوة جديدة فى المكتبة معانا.. كان سنها أصغر واللى فاكره من ملامحها إنها ورغم سن الـ 6 سنين بتوعها وقتها كانت قمر.. البنت كل حاجة فيها كانت حلوة بصراحة.. البراءة.. الضحكة.. خفة الدم.. العجلة بتاعتها اللى كانت بتيجي بيها الجمعية.. البيمبو والجيلي كولا اللى كانت بتوزعهم على أى حد تقابله.. الألاطة أحياناً، واللى كانت بتثبت إن البنت دي لما تكبر هيكون عندها كاريزما عبقرية.. عوامل كتير خلّتنى أتشد لـ “نهي”.. إتشعلقت بيها بسرعة وإتعودت أشوفها كل يوم.. فى نفس الفترة العمرية دي كان أبويا الله يرحمه بدأ يتكلم معايا إني هحس بمشاعر إنجذاب ناحية البنات وإن ده حاجة طبيعية وبتحصل مع كل الولاد اللى فى سني.. بدأ طبعاً سلسلة النصايح اللى كانت بتدخل من الودن دي وتخرج من التانية؛ من نوعية لازم تقول لي وماتعملش حاجة ممكن تحطك فى ورطة، وإحنا أصحاب مش أب وإبنه، ولو حصلت حاجة تعالا قول لى بدون ما تخاف ما أنا كده كده هعرف.. أبويا ماكنش يعرف إن إبنه الفسل اللى واقف قدامه ده بدأ فعلاً يحس بالمشاعر دي!.. كنت بكتفي بهز راسى بالموافقة على كل اللى بيقوله.. قررت أقول لـ “نهي” أنا بحبك!.. طبعاً صباح الهبل!.. المشكلة إنى ماكنش ينفع أنفرد بـ “نهي” عشان أرمى الكلمة قدامها.. رغم كده أنا كنت عارف إن حتى لو كانت الفرصة سنحت لى كنت هتكسف.. بس كنت واثق إن فيه فرصة هتيجى.. الفرصة دى هتكون علي إنفراد وبشكل مش هينفع فيه كسوف.. كان “أحمد” صديق عمري هو وسيلة الفضفضة الوحيدة المتاحة ليا عشان أتكلم معاه باللى حاسس بيه.. “أحمد” عقلاني عني بمراحل..هو آه كان بيستنكر أغلب اللى بقوله بس بيسمع كويس.. وهو ده المهم.. كتير كنت بآخد التليفون الأرضي أبو سلك للأوضة بتاعتي عشان أكلم “أحمد” عن خطط بعملها وبفكر فيها.. المعجزة حصلت فعلاً وقبل نهاية موسم الأجازة الصيفية ومن إتجاه ماكنش فى البال.. مشرفين النشاط بتوع المسرح طلبوا شباب عشان يمثلوا المسرحية اللى هتتعرض بإسم القصر قدام المحافظ.. لما عرفت إن “نهي” هتشارك قلت أنا راشق وأنا طبعاً لا بعرف أمثل ولا أى حمادة.. ده غير الواسطة اللى جيبتها عشان أخلع من حوار المسرح.. رجعت زي العيال وإترجيت أمي أنها تتوسطلي تانى عند المشرفة عشان يدخلوني.. بطلوع الروح إنضميت وأنا أساساً معرفش إيه اللى همثله أو هعمله المهم إنى موجود فى مكان واحد معاها!.. كنت واحد من 16 ولد وبنت هيعملوا المسرحية.. قصة المسرحية الغنائية كانت إن فيه فريق من الملائكة ودول بيمثلهم مجموعة من 8 بنات لابسين فساتين بيضا ومركبين على ضهرهم أجنحة بيضا.. كل بنت منهم بتخرج من الكواليس وهى ساحبة فى إيدها ولد من 8 ولاد كل ولد منهم بيمثل دولة عربية وبيطلع على المسرح و هو ماسك إيد البنوتة وبتسيبه لما يوصل لنصف المسرح وتدخل جوه وهو يبدأ يتكلم عن بلده بمقطوعات شعرية.. لحد هنا فل.. المشكلة بقى إن دورى ماكنش نفس دور “نهي” .. كانت “نهي” هتشد “أحمد” صاحبي اللى واخد دولة السعودية.. وأنا كنت البحرين وكانت هتشدنى “هالة”.. طبعاً ده كان مقلب العمر.. كنت لسبب مش معروف بخاف من شكل شعر “هالة”!.. كان قدامنا أسبوع عشان نحفظ ونتمرن.. أنا ضيعت 6 أيام من الأسبوع وأنا بحاول أفكر أخلص إزاى من المقلب ده وأمسك إيد “نهي” بدل “أحمد”.. كلمت “أحمد” فى التليفون وكنت بعرض عليه خطط عشان اوصل لهدفي بس كان بيستقبلها كلها برفض تام.. (إنت عبيط!.. هتودي نفسك فى داهية!.. باباك ممكن يعرف!.. البنت هتزعقلك!).. حالة ندالة تامة وفلتان إيد ملهاش حد منه.. لحد ما وجدتها لوحدي.. رحت كتبت جواب لـ “هالة” على أساس إن اللى كاتبه هو “أحمد”، وكتبت فيه إنه بيحبها ورحت إديتهولها وإحنا فى المكتبة وبصيت فى الارض قال يعنى مكسوف.. “أحمد” أمور ووسيم وأى بنت تتمناه بصراحة.. “هالة” لما شافت الجواب وإفتكرت انه هو اللى باعته كان هيغمى عليها مـن الفرحة.. قالت لى: (أنا مبسوطة قوى أعمل إيه طيب).. عملت فيها حمل وديع وقلت لها: (هو مكسوف يا “هالة” وكان عايز يقول كلام كتير بس مقدرش يقوله، بصى أنا ممكن أبدل مكانى معاه وتمسكى إيده فى العرض بكره وأنا أمسك إيد “نهي” مكانه بقى وأمرى لله وهتبقى فرصة حلوة إن إنتى كمان تقوليله إنك بتحبيه).. البنت كانت طيبة جداً ووافقت.. جه يوم العرض وأنا وهالة عارفين إحنا بنعمل إيه.. إخترنا لحظة الصفر وإحنا فى الكواليس وبدلنا الأماكن بقيت أنا قصاد “نهي” و”هالة” قصاد “أحمد”.. المشرفين ماخدوش بالهم أو ماركزوش عادى شايفين إننا شوية عيال فى بعض، وأكيد كل واحد فينا حافظ مكانه يعني.. تقدر بسهولة تتخيل منظر “أحمد”، و”هالة” بتجرى عليه عشان تشده من إيده وهو بيتمنع ومش مستوعب وهى بتجره ناحية المسرح.. كان شكله مسخرة أساساً وكل الناس اللى حاضرين وإحنا فى الكواليس كنا ميتين من الضحك.. تخيل إنت واحدة شادة واحد من إيده وهو عمال بيرجع لورا ويسحبها بإيديه الإتنين ومش قادر برضه.. “أحمد” كان جسمه أصغر وأقل من “هالة”.. (سيبيني.. سيبيني.. سيبيني).. شوية دربكة فى المسرح بعدها ميلت “هالة” على ودنه وقالتله حاجة ووشه جاب ألوان وإرتبك وبص لي بصة مايفهمهاش إلا إتنين عارفين بعض كأنه بيتهمني إن ليا دور ، وأنا عملت نفسي عبيط.. تمالك نفسه بالعافية، وقال الكلمتين بتوعه كويس.. بعد كده جه دورى أنا و”نهي”.. جريت أنا ناحيتها، ومديت لها إيدى وهى بالتبعية مدت إيدها وتعاملت عادى.. شعور اللحظة دي عمره ما يتنسي وحسيت إنى ماسك حاجات كتير قوى فى إيدى من الفرحة.. ضغطت على إيدها جامد وماكنتش عايز أسيبها.. المفروض إنها تعمل بإيدها التانية كأنها بتطير وتمشى وهى بتحجل أو بتتنطط وأنا أمشى عادى بـ رزانة بقى وكده بس أنا كنت بتنطط معاها وبحجل وبطوح إيدينا من الكواليس لحد المسرح.. كان شكلنا تحفة وكان ممكن تلمح ناس بتقع على قفاها من الضحك من اللى بيتفرجوا وسط الناس!.. تخيل إنت واحد لابس لبس بحرينى وهيطلع يقول ملحمة وطالع يتنطط من جوه للمسرح!.. وقفت فى نصف المسرح و”نهي” جت تسيب إيدى عشان تدخل وأنا مارضتش.. البنت إتصدمت!.. فضلت واقف ماسك إيدها وموقفها جنبى وقلت الـ 10 أبيات شعر وأنا راسى لفوق، والبنت بتحاول تفلفص إيدها من إيدى عشان تدخل ماقدرتش.. فى النهاية إستسلمت وفضلت واقفة جنبى وهى بتبص لى مبرقة وأنا بقول الشعر عادى.. كنت أحسن واحد ألقى الشعر يومها، والناس سقفوا جامد وكتير، بس ضحكوا أكتر.. عملت فيها “عبد الحليم حافظ”، ورغم إننا المفروض ما نحييش الجمهور وندخل بس أنا لما لقيت سقيف رفعت إيدى وإيد “نهي” وشاورت لهم عليها عشان يحيوها معايا.. فـى وسط الدوشة والدربكة والربكة وطيت على وطنها وخطفتها فـى ودنها بسرعة (أنا بحبك).. بصيت لى وهى مفنجلة ومش مصدقة وقعدت تضحك وفلتت إيدها من إيدى ودخلت جرى على جوا.. أسر الأطفال كانوا من ضمن الحضور.. لما خلصت الفقرة بتاعتنا لقيت أبويا الله يرحمه جاي هو وأمي الكواليس.. عملوا زي باقي أولياء الأمور ودخلوا عشان يسلموا على أولادهم.. أنا كنت فى وادي تاني بدور على “نهي” راحت فين.. أبويا الله يرحمه جالي من ورايا ومال على ودني بدون ما أحس بيه وقال لى: (قولتلها إيه؟).. السؤال خضني ومنه هو بالذات وحسيت كأنى كنت عامل جريمة.. رديت: (هي مين؟).. قال: (البنت اللى طلعت ماسك إيدها على المسرح).. الإرتباك والخضة زادوا وإترجموا فى شكل كلام متلخبط: (بنت مين!..دى آآآآ.. عادي يعني.. معرفهاش.. دي أول مرة أشوفها.. مش عارف جريت فين و…).. ضحك بدون ما يرد.. كملت: (فيه إيه؟).. ماردش.. سألت: ( إنت عرفت صح؟).. قال: (من أول يوم!، مفيش أب مابيحسش بإبنه).. سألت: ( بس عرفت إزاي؟ أكيد من “أحمد”).. رد: (لأ بس إنت اللى صوتك بيكون عالي).. مافهمتش.. كمل كلامه وهو بيضربني على خدي قلم خفيف: (بعد كده لما تتكلم فى التليفون إبقي وطي صوتك يا أهبل).. يعني كان عارف من وقت كلامي مع “أحمد” من بدري ومارضيش يقول ولما حضر المسرحية خمن إنها هي البنت دي.. سألته: (ليه ماقولتليش إنك عرفت!).. رد: (ليه إنت اللى ماقولتليش لما كان فيه حاجة!، إحنا مش متفقين؟).. هزيت راسي إن أيوا.. كمل كلامه: (لو كنت قولتلي كنت هتكلم معاك بالراحة وأفهمك بهدوء إيه اللى إنت حاسس بيه ده وإنه شعور مؤقت ملوش دعوة بالحب اللى بجد وحاجة طبيعية للى فى سنك).. قولت: (بس كنت هتقول لي ماتكلمهاش ولا تقول لها حاجة وكده!).. هز راسه وقال: (مين قال! كنت هقول الكلمتين اللى قولتهوملك وكنت هسيبك إنت تكتشف ده لوحدك، أى نصيحة متقدمة بفرض مش هتتعلم منها، مش هتتعلم غير لما تجرب مادام بحدود).. سألته: (أنا قولتلها بحبك!، هي زعلت؟).. قال: (ماعرفش!، بس إنت هتعر ف بعدين).. سألته: (أنا كنت بفكر فى خطط فظيعة لو كانت حصلت يااااه).. قال: (كنت هتروح فى مصيبة لو عملتها).. سألت: (طيب وإنت كنت هتعمل إيه؟).. رد بسرعة: (ماكنتش هسيبك).. قلت: (ضرب؟).. قال: (مش هسيب حاجة وحشة تحصل لك، وبعدها مش هسيبك تكررها تاني).. سكت شوية وقال: (العبط اللى حصل لـ “أحمد” إنت اللى عملته مش كده؟).. هزيت راسي إن أيوا.. بص لي بصة حاول يخليها جامدة وقال: (ده كلام برضه؟).. حاول يكتم ضحكته بس ماقدرش، وإنفجرنا أنا وهو فى الضحك وضربني كذا قلم متتالي على خدي.. الموضوع خلص وخد اليومين بتوعه كـ حب مراهقة غض لسه أخضر فى أول العمر، وحبيت بعده مرة وإتنين وتلاتة ومفيش مرة منهم كنت بخبيها عن أبويا بكل تفاصيلها.
– أبويا الله يرحمه كان من أنصار إدى إبنك النصيحة بشكل عام بدون ما تفرضها عليه وحسسه إنك قريب تقدر تتدخل فى أى لحظة.. ده اللى خلّى عندي ثقة فيه إنه مش هيجبرني على حاجة ومادام التجريب فى إطار الصح وماخرجش بره مساحة الأصول يبقي خلاص.. جرب.. مش هتتعلم غير بالتجربة.. اللى يتعمل قدام عينك أحسن مليون مرة من اللى يتعمل من وراك.. مساحة الحرية اللى بياخدها ولادنا مننا هى اللى بتحسسهم بقيمتهم.. أهلنا هم اللي بيخلونا يا إما عبيد يا إما أحرار.. الحريه أبداً مش فوضي.. الحريه إلتزام ونظام وإحترام لذاتك وللإنسان اللي وثق فيك.. من كتر القلق من عمل التوازن ده بقي فيه ناس بتخاف من الخلفة أصلاً خصوصاً فى الزمن ده بمعاييره واللخبطة اللى بقت فيه.. ده صح بس الموضوع له حل.. لكن للحكاية حكاية وتلك حكاية أخري.