الأفروسنتريك: ما بين الحضارات الأفريقية ومحاولات السطو على الحضارة المصرية
يوم 25 مايو من كل سنة بيتم الاحتفال بـ يوم أفريقيا عشان تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو سنة 1963، وبيتم الاحتفال باليوم ده في مختلف بلاد القارة الأفريقية وفي دول مختلفة من العالم.
وفيه خلط عند ناس كتير ما بين أفريقيا كـ قارة أو الحضارة الأفريقية وما بين الحركة المركزية الأفريقية أو الأفروسنتريك/الأفروسنتريزم. في الموضوع ده هنحاول نسرد بشكل مبسط أبرز الحضارات الأفريقية -بخلاف الحضارة المصرية-، ومنها ننتقل لتعريف الأفروسنتريزم ومعتقداتها وبتستند على إيه، وأزمة فيلم كليوباترا من إنتاج نتفليكس، والمحاولات المختلفة للسطو على التاريخ والهوية المصرية.
أبرز الحضارات الأفريقية
غير الحضارة المصرية القديمة -واللي تعتبر أشهرهم وأعرقهم-، فيه أمثلة كتير عن حضارات كبيرة نشأت في أفريقيا، والأمثلة الجاية دي على سبيل المثال مش الحصر:
مملكة أكسوم: مملكة قوية ظهرت تحديدًا في إثيوبيا، وتعتبر من أكبر الإمبراطوريات الأفريقية وهي واحدة من أكبر الأسواق في شمال شرق أفريقيا، وسيطرت الحضارة دي على ساحل البحر الأحمر لحد القرن السابع الميلادي.
إمبراطورية بنين: قبل 1400 سنة، كانت مستوطنة صغيرة تطورت بعد كده لـ مملكة قوية، والمملكة كانت بتجيد حرف زي العمل الفني والتماثيل واللوحات.
مملكة غانا: كانت غانا القديمة عبارة عن منجم من الذهب، وكانت مملكة غنية جدا، واستوردت قارات أوروبا وآسيا من غانا حاجات كتير زي الكتب، والقماش، والعاج.
إمبراطورية مالي: اتأسست ما بين القرن الـ13 و الـ 16 قبل الميلاد، وكانت ناجحة في التجارة بسبب موقعها على نهر النيجر.
حضارة النوك: الآثار الأولى من الحضارة دي تم اكتشافها سنة 1928 في نيجيريا، واتميزت في الحرف المعدنية زي السكاكين والأساور والرماح، وكان عندها نظام قضائي خلال وجودها من سنة 900 قبل الميلاد.
قرطاج القديمة: حضارة قرطاج القديمة في مدينة قرطاج، واللي اسمها في العصر الحديث تونس، وغطت جزء كبير من البحر الأبيض المتوسط، وكانت من أغنى الحضارات على المستوى التجاري.
إيه هي الأفروسنتريك؟ وإيه معتقداتها؟
الأفروسنتريك أو الأفروسنتريزم واسمها برضه “الحركة المركزية الأفريقية” اتأسست على ايد الناشط الأمريكي أفريقي الأصل “موليفي كيتي أسانتي” في فترة الثمانينات، حسب الموسوعة البريطانية Britannica.
الحركة دي بتسعى لـ “تسليط الضوء على هوية ومساهمات الثقافات الإفريقية في تاريخ العالم”. ونشاطها الأكبر في أمريكا وفي بعض الدول الأوروبية وبين الجماعات صاحبة الأصول الإفريقية. ومن بين النظريات اللي بيروج لها مؤيدين الحركة إن “أصل الحضارة المصرية إفريقي”.
أساس جدال الأفروسنتريزم إنه لمدة قرون كتيرة، الأوروبيين سيطروا على الأفارقة وعلى حضارات غيرهم، من خلال العبودية والاستعمار. وعشان كده، حسب النظرية بتاعتهم، أي حد من أصل أفريقي لازم يقدر إنجازات الحضارات الأفريقية التقليدية، ومحتاجين يعبروا عن تاريخهم ونظام القيم بتاعهم.
حسب الأفروسنتريزم، التاريخ والثقافة الأفريقية بدأت في مصر القديمة، اللي كانت مهد الحضارة العالمية، لحد ما اتسرقت أفكارها وتقنياتها، ونجح الأوروبيين إنهم يسيطروا على إنجازاتها. مؤيدين النظرية دي شايفين إن الاهتمام بالثقافة والتاريخ الأفريقي هيفيد الأمريكيين من أصل أفريقي وهيفكرهم بثقافتهم الخاصة اللي ليها تراث عريق وأصيل، واللي بيحاول الأمريكيين من أصل أوروبي إنهم يقللوا من قيمتها.
الأفروسنتريك بتستند على إيه؟
عالمة الآثار المصرية مونيكا حنّا قالت لـ BBC إن الحركة بتستند لـ الأسرة 25 وهي فترة حكم الكوشيين لمصر، وهي المملكة اللي تعتبر جغرافيًا دلوقتي في جنوب السودان من 744 قبل الميلاد لـ 665 قبل الميلاد، وده حوالي 4000 سنة، واللي تعتبر فترة صغيرة. تحديدا في القرن الـ 19 والـ 20 كان دايما بتظهر عنصرية شديدة على الثقافة الأفريقية، غير إن تقريبا اتسرق 70% من التراث الأفريقي، مثلا الأعمال البرونزية من دولة بنين، والآثار المختلفة من دولة مالي، وآثار أفريقية كتير اتسرقت وموجودة في متاحف غربية. والسردية الغربية دايما عن التاريخ الأفريقي أنه تاريخ متخلف ملوش حضارة، وإن الحضارة الوحيدة الكبيرة هي حضارة مصر القديمة، فكان الملاذ الوحيد قدام متبني المركزية الأفريقية هو أخذ حضارة مصر القديمة، بسبب إنه بيتقال عنهم إنهم مش بينحدروا من أي حضارة. مونيكا حنا بتقول إن للأسف علم المصريات نشأ كعلم غربي، وبيحتوي على عناصر كبيرة جدا من العنصرية ومن الاستعمار الفكري، فالنهاردة لما بنتكلم عن استرداد الآثار المصرية من المتاحف الأوروبية، فالمركزية الأوروبية بتسيطر بشكل كبير على الفكر فبيتقال إنهم هم اللي اهتموا بالآثار دي، مع إن في الحقيقة هم اللي سرقوها.
وفي نفس السياق، عالم الآثار المصري زاهي حواس قال في تصريح لـ بي بي سي “لا يوجد أي دليل على هذه المزاعم إطلاقاً”، وإن الأمر يختلط على أصحاب النظرية دي، لعدم معرفتهم بالتاريخ.
إلغاء حفل كيفن هارت في مصر
من ضمن الفنانين المشهورين بتبنيهم فكرة المركزية الأفريقية هو الممثل الكوميدي الأمريكي كيفين هارت، ومن مدة، اتلغى عرض كان هيعمله في القاهرة في فبراير 2023، وده بعد ما انتشرت أخبار إنه بيروج خلال جولاته العالمية لفكرة الأفروسنتريزم.
نتفليكس.. وكليوباترا ببشرة سمراء
وبشكل عام، الجدل بسبب الأفروسنتريزم جدل بقاله سنين، بس انتشر جدا الفترة الأخيرة وعمل جدل كبير على السوشيال ميديا في مصر ودول مختلفة، وده بسبب تجسيد ممثلة صاحبة بشرة سمراء لشخصية الملكة كليوباترا في وثائقي عملته منصة نتفليكس.
منصة “نتفليكس” كانت أعلنت من فترة عن فيلم “كليوباترا” من إخراج جادا بينكيت سميث، زوجة ويل سميث، وبدأ عرضه على المنصة يوم 10 مايو اللي فات، والشركة قالت إنه “ضمن سلسلة وثائقيات لاستكشاف حياة الملكات الأفريقيات البارزات والمبدعات”، هتبدأها بفيلم “كليوباترا”، وهتخصص الموسم الأول لـ “أشهر امرأة في العالم وأكثرها قوة”.
ناس كتير انتقدت تصوير الفيلم للملكة كليوباترا ببشرة “سمراء”، وهي من أصول مقدونية، وخصوصا إن الفيلم “وثائقي” مش “روائي”. والفيلم رجع تاني النقاش عن أفكار حركة الأفروسينتريزم، اللي بتحاول تنشر فكرة إن كل حضارات العالم كانت بتضم “ذوي البشرة السمراء” قبل تشتتهم في العالم. وناس كتير اتهمت منصة “نيتفليكس” بـ “تغيير تاريخ مصر القديم” و”تزوير المعطيات التاريخية الثابتة”.
محاولات السطو على الحضارة المصرية مش أفروسنترية فقط
عالمة الآثار المصرية مونيكا حنّا قالت لـ BBC إن لازم ندرس بشكل أنثروبولوجي عميق الروافد الثقافية المتبادلة بيننا وبين مصر القديمة وبين الطبقات التاريخية والتراثية الخاصة بينا، وننشر الدراسات دي وتبقى جزء من المناهج الدراسية في المدارس، وقتها هيكون فيه سردية مصرية قوية جدا عن التاريخ والتراث الخاص بينا، ومش هيفرق معانا كمصريين كلام أي حد، والموضوع مش مقتصر على المركزية الأفريقية، لأن فيه أشخاص من حضارات عربية بيقولوا إن الحضارة المصرية القديمة أصلها عربي. فـ محاولات السطو على الحضارة المصرية والتاريخ المصري مش بس أفروسنترية. ولازم يتم بناء كوادر من خلال الاتحاد الأفريقي لاسترداد التراث الأفريقي، لأن كل ما استرددت التراث الأفريقي، كل ما هيبقى فيه سردية تاريخية جديدة ممكن يتم كتابتها. بالإضافة إننا محتاجين حملة قومية قوية جدا للنشر العلمي عن علم المصريات باللغة العربية.
العنصرية مش الحل
بسبب الموجة دي، ظهرت دعوات عنصرية كتير من ناس مختلفة في دول مختلفة ضد المهاجرين واللاجئين الأفارقة ودعوات مختلفة بعدم الزواج منهم ودعوات لترحيلهم.
وفي نفس حوارها مع BBC، بتقول عالمة الآثار المصرية مونيكا حنّا: “إحنا نشتبك بشكل علمي، وبشكل أكاديمي، وبشكل مؤسسي، وليس بشكل عنصري”