“وأنت السبب يابا”.. حكايات نوارة نجم عن والدها أحمد فؤاد نجم
كتب: عمر هشام
نوارة نجم بتقول في مقدمة سيرتها مع والدها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم: «لم يغب أبي وذكرياته عن خاطري، لم يكن ذكرى في يوم، كان دومًا حاضرًا. لن أروي إلا قصتي (قصته) عبر كاميرا مثبتة في حدقة عين طفلة ثم مراهقة ثم شابة عاشت في ظل شخص استثنائي على المستويين الإبداعي والإنساني، تمر بأحداث لم تفهم بعضها، وطبَّعت مع جُلها باعتبار أن هذه طبيعة الأشياء، ثم تبينت حين نضجت أنها ليست كذلك، وأن هناك تجربة إنسانية تستحق أن تُروى حتى إن بدت عادية.»
دار الكرمة أصدرت كتاب “وأنت السبب يابا.. الفاجومي وأنا” لنوارة نجم عن والدها أحمد فؤاد نجم، ورغم إن عنوان الكتاب اسم شهرة الشاعر الأب، إلا إنه كتاب عن نوارة نفسها وعن عيلتها وعن التحولات الاجتماعية والسياسية اللي حصلت في البلد بعين نوارة وهي طفلة وشابة وامرأة.
نوارة اللي اتولدت لأب شاعر مزواج، أقر هو بنفسه إنه ماكنش أب كويس ولا زوج كويس، ولأم كاتبة وناقدة مسرحية صارمة ومحافظة جدا، وفي كل فصول الكتاب، بتكتب نوارة عن أبوها وأمها بمنتهى الصراحة والغضب والتردد والشك، وفي نفس الوقت بمنتهى الحب والتفهم والتسامح، وبتستعرض فترات كاملة عاشتها من اليقين والشك، والقوة والضعف، والحزن والسعادة.
وبتحكي في ده قصص كتير، مثلا، الأم صافي ناز كاظم، كانت مصرة إن نوارة تناديها بـ “حضرتك” وده كان شيء مزعج جدا بالنسبالها كطفلة.
“كنت طفلة طيعة ومراهقة متقفل عليها، ولم أتسبب لأمي في مشاكل، ولم يُستدع ولي أمري إلى المدرسة، ولم أرسب في الامتحانات. لم أكن طفلة مغامرة تقدم على القفز من النوافذ، ولم أحظ في مراهقتي بأي فرصة للشقاوة. باختصار، لم يكن هناك سبب يستدعي التحديف بالشباشب ومقاطعتي لمدة يوم كامل وأحيانًا يومين سوى أني كنت أنسى وأقول لأمي “أنتِ” بدلًا من “حضرتك”. وكان بيتنا يشتهر بين الجيران في العباسية باسم “عيلة حضرتك”، و”حضرتك” هذه كانت قصة طويلة مما دفعني إلى منع أبنائي قسرًا من نطق هذه الكلمة البغيضة التي عكرت علي طفولتي ومراهقتي”.
والأب أحمد فؤاد نجم، كان عنده سلوك مستمر من الاختفاء والسفر، أحيانا غصب عنه بسبب السجن، وأحيانا بسبب عدم تنازله عن اهتماماته في مقابل الاهتمام ببنته. والعمر بيعدي، والأدوار بتتغير، وبتاخد نوارة دور الأم في حياة نجم، الأب المريض المهمل اللي رافض نصايح الدكاترة.
“أبي دائم التحرك، وأنا دائمة الركض خلفه، ولم يكن ذلك جيدًا. أرجو من أي أب ألا يعرض ابنته أو ابنه لهذا، فهذا ليس عظيمًا، ولا لطيفًا، ولا مضحكًا، ولا براقًا”
بتحكي نوارة عن الاختلاف الكبير بين حياة ومباديء نجم وصافي ناز كاظم، وقد إيه ده سببلها أذي في مشاعرها، زي مثلا لما لبست الحجاب وهي صغيرة تحت تأثير أمها اللي حذرتها من “معصية ربنا”، وبعد كده اتريق عليها أبوها: “إيه يا بت اللحاف اللي أنتي لابساه على دماغك دا”.
ورغم الاختلاف بينهم، لكن صافي ناز كاظم كانت بتحاول دايما تخلي فيه علاقة قوية بين نوارة ونجم، وأحيانا كانت بتجبره على إنه يعمل واجباته كأب، وده مش عشان يخفف عنها كأم، لكن عشان احتياجات نوارة العاطفية.
نوارة بتحكي إزاي ناس كتير انتقدت أمها بخصوص الموضوع ده علشان “هو ما يستاهلش” فردت عليهم صافي ناز “بس بنتي تستاهل”.
“كونه يستحق أن تكون له ابنة تبره وتوده وتحبه أم لا، فهذا أمر عليه خلاف. وكوني أستحق أن أسير مع أمي في الطرقات أبحث عن أبي، مع ما يحمله كل ذلك من ألم يثقل قلبي الصغير ويشعرني أني لست محبوبة ولا مرغوبة بما يكفي من أبي، فهذا أمر عليه خلاف أيضًا. أما بشأن أن هذه التضحيات لا مردود لها، قولًا واحدًا: لا، بل لها مردود كبير. لقد سعدت جدًا وتألمت جدًا وضحكت جدًا وبكيت جدًا… بسبب العلاقة مع أبي”.
نوارة بتكتب عشان تتصالح مع نفسها ومع أبوها وأمها، وعشان تتصالح مع صورتين؛ صورة نجم كشاعر عظيم، وصورته كإنسان ضعيف وفوضوي. الكتاب مليان ثنائيات متناقضة، أحمد فؤاد نجم الإنسان اللي بيظهر طول الوقت كأب غير مسؤول وزوج فاشل، وضعيف في مواجهة ظروفه الشخصية، وهو الشاعر العظيم اللي كان بيواجه بشعره وقصايده حكام وأنظمة كاملة. ونوارة اللي مع الوقت بتكتشف إنها مش قادرة تعتمد على أبوها، ولا قادرة تستغنى عنه.
نوارة حكت كمان قصص كتير عن قد إيه نجم شخص مميز ومختلف، يمكن تكون أشهر قصة لما كانت نايمة عنده، ودخل حرامي البيت، فرفض إنها تتحرك أو تعمل أي حاجة، عشان ماتكسفش الراجل، وإنه أكيد حاله صعب عشان يسرق من بيت زي بيت نجم.
وهو نفس الأب اللي لما عرف إن بنته بتحب “محمد منير”، فجابه مرة عشان يتغدى مع نوارة.. وكلها مواقف بتبين اختلاف نجم وقد إيه هو شخص استثنائي.
بتحكي نوارة إنها هي اللي ألهمت نجم تتر مسلسل “حضرة المتهم أبي”، لما كانت بتلومه وتعاتبه، فكتب الأغنية اللي منها عنوان الكتاب: “وأنت السبب يابا”، الأغنية اللي بتحكي عن عتاب ولوم واتهام البنت لأبوها، ودفاع الأب عن نفسه، ومحاولة تبرير تقصيره في حقها، الأغنية اللي ممكن تكون ملخص حياة نجم ونوارة.
في صفحات الكتاب، نوارة مش بتحكي عن نجم كشاعر بس، ولا كإنسان بس، بتحكي عن نجم الشاعر والإنسان والأب والزوج والصديق، اللي كان بيغلط كتير، وبيصيب كتير، وإنها حبته زي ما هو حبها. نوارة كتبت عن أبوها وعن نفسها لما تقبلت شخصيته زي ما هي، وتصالحت مع نفسها لما تصالحت معاه.
“وأنت السبب يابا”.. كتاب عن البنت زي ما هو كتاب عن الأب.. كتاب عن البلد زي ما هو كتاب عن العيلة.. كتاب عن مسؤولية الآباء تجاه ولادهم.. القدرة على التسامح والغفران.. إزاي التروما بتتكون.. إزاي الكلمة بيفضل أثرها بعد سنين.. إزاي العام بيتحول لخاص والخاص بيتحول لعام.
